ضمن البرنامج الثقافي لمركزدال للدراسات والانشطة الثقافية والاجتماعية عقدت عصريومناهذا محاضرة بعنوان(الظروف التاريخية لنشأة العلمانية في الغربُ)القاهاالاستاذ/مصطفى انشاصي كاتب وباحث ومفكرفلسطيني وللاهمية المحاضرة سننشرها كماوردت من الباحث:-
تأخذ المفاهيم والمصطلحات حيزاً كبيراً في صراع الأمة مع الآخر اليهودي ـ الغربي، وقد بات ما يُعرف باسم "معركة المفاهيم والمصطلحات" يشكل جزءً مهماً من معركة الآخر معنا، الذي باتت أهدافه وغاياته ضد وطننا واضحة المعالم. ومن تلك المصطلحات الخطيرة مصطلح (العلمانية)، وتلك الترجمة الخاطئة لأصل الكلمة الإنجليزية (سيكولاريتي Secularity) أو سيكولاريت (Secularite) بالفرنسية، التي يتداولها الكتاب والعامة منذ عقود طويلة! وقد يتصور أو يتوقع البعض أنني سوف أتناول الموضوع بحكم العنوان: "الظروف التاريخية لنشأة العلمانية في الغرب"، بنفس الطريقة التقليدية التي تحدث بها الكتاب والمفكرين عن تاريخ وأسباب نشوء العلمانية في الغرب، ولكني سأعرض الموضوع من خلال رؤية وقراءة جديدة لتاريخ الغرب، وإن كانت تلك الرؤية تتفق في كثير أو قليل في مضمونها مع الآخرين، إلا أنها تختلف إلى حد ما في منهجية طرحها وسياقها العام.
تعريف العلمانية
العلمانية تبدو لأول وهلة للناظر فيها كلمة عربية مشتقة من العلم، ولو كانت كذلك فإنها مرحب بها من وجهة النظر الإسلامية لاهتمام الإسلام بالعلم والعلماء، ولكن حينما تكون وسيلة من وسائل الغرب لخداع المسلمين فإن الأمر يصبح خطير، إذ لا تبقى على ظاهرها لفظاً ومعنى، وإنما تكون ترجمة عربية خاطئة للفظ أجنبي له مدلوله الخاص، كما هي كثير من الألفاظ الأجنبية التي تم ترجمتها خطأ! فالعلمانية هي ترجمة خاطئة للكلمة الإنجليزية (سيكولاريتي Secularity)، أو سيكولاريت (Secularite) بالفرنسية. والترجمة الصحيحة للكلمة في اللغة الإنجليزية هي: لا ديني، أو غير عقيدي، أي (اللادينية) أو (الدنيوية)، لا ما يقابل (الأخروية) بل بمعنى ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد.
ما يعني أن العلمانية كلمة لا صلة لها بلفظ "العلم" ومشتقاته على الإطلاق. فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه (Science) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة(Scientism) والنسبة إلى العلم هي(Scientific) في الإنجليزية أو (Scientifique) في الفرنسية.
ولمزيد من التوضيح سنعرض لبعض معاني كلمة (سيكولاريتي Secularity) في اللغة الإنجليزية، التي توردها المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة:
* يُعرف معجم ويبستر الشهير: العلمانية: بأنها "رؤية للحياة أو أي أمر محدد يعتمد أساساً على أنه يجب استبعاد الدين وكل الاعتبارات الدينية وتجاهلها"، ومن ثم فهي نظام أخلاقي اجتماعي يعتمد على قانون يقول: "بأن المستويات الأخلاقية والسلوكيات الاجتماعية يجب أن تُحدد من خلال الرجوع إلى الحياة المعاشة والرفاهية الاجتماعية دون الرجوع إلى الدين".
* وتقول دائرة المعارف البريطانية مادة (Secularim): "هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيهم عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها". فقد كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا لصالح الآخرة، ولمقاومة تلك الرغبة سعت اللادينية لتنمية النزعة الإنسانية، وقد بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة. وظل الاتجاه إلى الـ (Secularism) يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله، باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة (للمسيحية).
* وفي قاموس "العالم الجديد" لو بستر، شرحاً للمادة نفسها ذكر لها عدة معانٍ:
1- الروح الدنيوية، أو الاتجاهات الدنيوية، ونحو ذلك. وعلى الخصوص: نظام من المبادئ والتطبيقات(Practices) يرفض أي شكل من أشكال العبادة.
2- الاعتقاد بأن الدين والشؤون الكنسية لا دخل لها في شئون الدولة وخاصة التربية العامة.
* ويقول معجم أكسفورد شرحاً لكلمة ( Secular):
1- دنيوي، أو مادي، ليس دينيا ولا روحياً: مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.
2- الرأي الذي يقول أنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية.
* ويقول "المعجم الدولي الثالث الجديد" مادة: (Secularism): "اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية يجب ألا تتدخل في الحكومة، أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعاداً مقصوداً، فهي تعنى مثلاً "السياسة اللادينية البحتة في الحكومة". "وهي نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخُلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى الدين.
إذن فالمفهوم الشائع عندنا بأن (العلمانية) مشتقة من العلم، وتعني (فصل الدين عن الدولة)، أو (فصل الدين عن العلم)، هو في الحقيقة فهم خاطئ لا يعطى المدلول الكامل لمعنى العلمانية، ولو قيل أنها (فصل الدين عن الحياة) لكان أصوب، والمدلول الصحيح للعلمانية "إقامة الحياة على غير الدين" سواء بالنسبة للأمة أو للفرد.
هذا الشكل من أشكال العلاقة بين الدين والحكم والحياة في الغرب، العلمانية أو اللادينية، هل هو شكل جديد لم يعرفه الغرب إلا بعد عصر النهضة فقط، أم أنه له سوابق في التاريخ الغربي؟! ذلك ما سنحاول التعرف عليه في العنوان التالي:
العلمانية واللادينية هي الأصل في تاريخ الغرب؟!
يقول أرنست كاسيرر: أن "الشواهد الإنثروبولوجية والإنثولوجية، تجد مناطق كثيرة من الحياة الحضارية البدائية تتمتع بالملامح المشهورة التي توجد في حياتنا الحضارية، وما دمنا نزعم تخالفاً مطلقاً بين منطقنا ومنطق العقل البدائي، وما دمنا نعتبر المنطقتين مختلفتين نوعاً متضادتين أصلاً، فليس من السهل علينا أن نعلل لذلك التشابه في الملامح الحضارية. حتى لتجد دائماً في الحياة البدائية نفسها منطقة دنيوية أو أرضية خارج المنطقة المقدسة، وهناك موروث دنيوي يتألف من قواعد العرف أو القانون يُعَين الطريقة التي تسير بها الحياة الاجتماعية"
ذلك يعني أن الأديان البدائية بصفة عامة لم تلغي الجانب الدنيوي في الحياة الإنسانية ـ بحسب الفكر الغربي ـ ولم يسيطر الفكر الديني على جميع مناحي الحياة في تلك المجتمعات، ولكن كان هناك مساحة للإنسان يمكنه من خلالها أن يلعب دوراً في تنظيم شئون حياته الدنيوية. أما الأديان في المجتمعات الغربية بصفة خاصة، فالجانب الدنيوي كان شبه منفصل تماماً عن الجانب الأخروي أو المقدس.
فالآلهة الإغريقية والرومانية لم يكن لها علاقة بتنظيم شئون حياة الناس. فالإغريق والرومان لم يعتنقوا ديناً يستمدون منه وحده تصوراتهم وعقائدهم ونظام حياتهم، يقول (محمد عبد الله دراز) عن دور الآلهة الإغريقية في حياة تلك المجتمعات: أن أقدم الآثار الأدبية التي حفظها لنا التاريخ عن العصر الإغريقي يعود إلى حوالي القرن العاشر قبل الميلاد. وأشهر تلك الآثار الديوانان المنسوبان إلى هوميروس: الإلياذة، والأوديسا ... وتتميز هذه المرحلة بأن شؤون الأديان فيها إنما تساق عرضاً في ثنايا شؤون الحياة الأخرى.
ويقول (محمد أسد) عن آلهة الرومان: نعم كان لهم آلهة ولم تكن آلهة تقليدية "لم تكن سوى محاكاة شاحبة للخرافات الوثنية اليونانية لقد كانت أشباحاً سُكِتَ عن وجودها حفاظاً للعرف الأجنبي ولم يكن يُسمح لها قط بالتدخل في أمور الحياة الحقيقية".
ذلك يعني أن المجتمع الغربي كان مجتمعاً مادياً لا دينياً يعانى عزلة حادة عن معتقداته – أياً كانت – ويفصل بينها وبين واقع حياته العملي. بمعنى معاصر؛ أن الغرب عرف فصل الدين عن الحياة، أو العلمانية (اللادينية)، منذ عصور وجوده الأولى. ويؤكد ذلك (سيسرو) الذي عبر عن الانفصال العميق بين الدين ونظام الحياة عند الرومان بقوله: "لما كان الممثلون ينشدون في دور التمثيل ما معناه أن الآلهة لا دخل لهم في أمور الدنيا يصغى إليها الناس ويسمعونها بكل رغبة". وذلك ما أكده أيضاً الراهب (أوغسطين): "إن الروم الوثنين كانوا يعبدون آلهتهم في المعابد ويهزأون بهم في دور التمثيل".
ليس هذا فحسب، بل إن أبيقور (4 ق.م) أعلن على الملأ دعوة علمانية صريحة، ومن أقواله: "إن الآلهة لا يشغلون أنفسهم بأمور بني البشر، لأنهم يظهرون من آن لأخر للأشخاص (!) بيد أن مسائل العالم الأرضي لا تعنيهم، وما من علامة تدل على أنهم يعنون بعقاب الآثم وإثابة الصالح، أيمكن اعتقاد تدخلهم هذا ما نراه في هذا العالم؟! ويسخر من الإله الروماني جوبيتير: "إن جوبيتير يرسل الآن بالصواعق على معبده، فهل سحق أبيقور الذي يجدف به"؟! "إن الآلهة يعيشون بعيداً عن العوالم ولا يهتمون إلا بشئونهم فلا تعنيهم أمورنا. إنهم يعيشون حكماء سعداء ويعظوننا بهذا المثال الذي يجب أن نسير على منواله فلنعظمهم كمُثُل عليا يُقتدي بها، غير أنه لا يجب علينا أن نشغل أنفسنا بما يريدونه منا، فإنهم لا يريدون منا شيئاً، هم لا يعيروننا بالاً فلنفعل نحوهم كما يفعلون نحونا".
وبما أن آلهة الرومان بطبعها لم تكن لتشرع لهم شيئاً، فقد كان من الضروري أن يقوم بشر متألهون بمهمة وضع نظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، ونتيجة لجهود هؤلاء برز إلى الوجود (القانون الروماني) الذي لا تزال أوروبا تعيش عليه أو على امتداده إلى اليوم، أما النظم الأخلاقية وقوانين الآداب العامة ـ إن وجدت ـ فقد كانت أبيقورية محضة. ذلك يعني أن الغرب لم يعرف العقائد والنظم الدينية بمعناها الذي عرفته الشعوب الأخرى، أي تدخل الآلهة في شئون حياة أتباعها، ولكنه كان لديه آلهة شكلية كزينة أو ديكور لإرضاء السذج من مواطنيه، أو من الشعوب غير الأوروبية التي كانت تخضع لحكمه.
نخلص من هذه المقدمة التي رأيت أنها ضرورة علمية وأكاديمية محضة لمحاولة تصحيح الفهم الخاطئ عندنا عن مفهوم العلمانية والدين في المجمعات الشرقية والغربية خاصة، إلى أنه إن كانت الآلهة في المجتمعات الشرقية وغيرها تترك منطقة دنيوية للإنسان حق التصرف فيها بما يراه مناسباً لصلاح حياته، فإنها في المجتمعات الغربية (الإغريقية والرومانية) لم تكن الآلهة تتدخل البتة في شئون حياة أتباعها، وكانت تعيش تلك المجتمعات ومازالت حياة علمانية لا دينية بكل ما تعني الكلمة من معنى، كما هي اليوم، والدين أمر شخصي تعتقد أو لا تعتقد ذلك أمر خاص بالفرد.
تحالف الوثنية البدائية والنصرانية المُوَثَنة
إذن الغرب من حيث المبدأ هو علماني لا ديني منذ فجر تاريخه ولم يكن في يوم من الأيام مجتمع ديني كالمجتمعات الدينية الوثنية الشرقية! لذلك فإن أهم الخصائص التي تُميز المجتمعات الغربية عن غيرها، أنها صناعة بشرية بامتياز في كل مراحل تطورها التاريخية، تخضع في تطورها لتطور العقل البشري والجهد الإنساني، وأنه يختار لنفسه ما يراه يُصلح حاله بحسب ظروف الواقع والحياة السائدة في المجتمع في مرحلة تاريخية ما، والشواهد على ذلك كثيرة:
فقد عرفت أوروبا الوثنية الدين النصراني منذ القرن الأول للميلاد بوصفه عقيدة شرقية سامية، ولم يأل أباطرة الرومان جهداً في القضاء عليها طيلة القرون الثلاثة الأولى، وعندما شعر الإمبراطور (قسطنطين) بقوة الاعتقاد النصراني عند أتباع إمبراطوريته من الشعوب المختلفة، وخشي على إمبراطوريته من التفكك وضياع سلطانه، أعلن اعتناقه للدين الجديد، ودعا لعقد أول مجمع مسكوني (نصراني) هو مجمع نيقية سنة 325 م، وأعلن فيه أن النصرانية هي الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية.
فالذي جمع بين الكنيسة والإمبراطور هو رابط المصلحة الدنيوية لكلا الطرفين لا غير، يقول المؤرخ الأمريكي دابر: "إن هذا الإمبراطور الذي كان عبداً للدنيا والذي لم تكن عقائده الدينية تساوى شيئاً رأى لمصلحته الشخصية ولمصلحة الحزبين المتنافسين النصراني والوثني؛ أن يوحدهما ويؤلف بينهما، حتى أن النصارى الراسخين أيضاً لم ينكروا عليه هذه الخطة، ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ستزدهر إذا طُعِمت ولُقِحت بالعقائد الوثنية القديمة، وسَيخُلص الدين النصراني عاقبة الأمر من أدناس الوثنية وأرجاسها".
كما أدرك هذه الحقيقة المؤرخ الإنجليزي (ويلز)، وقد شرح بدقة حال الإمبراطور معللاً اعتناق قسطنطين لنصرانية وإعلانها ديانة رسمية بأنه محاولة منه لإنقاذ إمبراطوريته المتضعضعة من التفكك والانحلال، وهو ما قال به جيبون من قبل.
ذلك بالنسبة للإمبراطور، أما الذين اعتنقوا النصرانية من المواطنين الرومان فلم يتغير تصورهم السابق عن الدين ومهمته في الحياة، وكان التغيير الذي طرأ عليهم هو إحلال مسمى (الأب والابن وروح القدس) محل (جوبتير ومارس وكورنيوس). ولقد عبر أحد المؤرخين الغربيين عن ذلك بقوله: "أن (المسيحية) لم تكن عند أكثر الناس غير ستار رقيق يخفي تحته نظرة وثنية خالصة إلى الحياة".
وهكذا فإن الذي حدث في مجمع نيقية (325م) إن صح القول: تحالف بين الوثنية والنصرانية المُوَثَنة بعد أن أخرجها بطرس اليهودي عن جوهرها السماوي وحولها إلى الوثنية لتدميرها. وقد ذكره المسيح باسمه كما جاء في (إنجيل متى: 6/23): "فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِبُطْرُسَ:"اذْهَبْ عَنِّي يَاشَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ". وبعده أكمل (بولس) أحد حاخامات اليهود الذي تظاهروا باعتناق النصرانية ما بدأه بطرس، ونقل إليها الكثير من أفكار الإغريق والرومان والوثنية المنحلة وغيرها من أفكار وفلسفات هدامة كانت شائعة في ذلك العصر، ما أبعدها عن روح التعاليم السماوية التي دعا إليها المسيح عليه السلام، وجعلها خليط ومزيج من العقائد التي كانت سائدة في الإمبراطورية الرومانية آنذاك، تقوم على ست دعائم:
1-الإيمان بالتوراة اليهودية.
2-اعتقاد الفداء والخلاص والوساطة بين الله والناس.
3-التثليث.
4-الحلول (تجسد الإله في شكل بشري).
5- تقديس وعبادة الصور والتماثيل.
6-الهروب من الحياة إلى "الرهبانية".
لذلك هناك شبه إجماع لدى كثير من مؤرخي الغرب أن (النصرانية) الرسمية، أو (نصرانية بولس) التي نشرتها الكنيسة ابتداء من سنة (325م)، ليست هي (النصرانية) التي نزلت على المسيح عليه السلام. يقول المؤرخ الأمريكي (برنتن): "إن المسيحية الظافرة في مجلس نيقية – العقيدة الرسمية – في أعظم إمبراطورية في العالم مخالفة كل المخالفة لـ(مسيحية المسيحيين) في الجليل، ولو أن المرء اعتبر العهد الجديد التعبير النهائي عن العقيدة (المسيحية) لخرج من ذلك قطعاً لا بأن (مسيحية) القرن الرابع تختلف عن (المسيحية) الأولى فحسب، بل بأن (مسيحية) القرن الرابع لم تكن (مسيحية) بتاتاً".
أما المؤرخ الإنجليزي ويلز، فيقول: "من الضروري أن نستلفت نظر القارئ إلى الفروق العميقة بين (مسيحية) نيقيا التامة التطور وبين تعاليم يسوع الناصري".
أما رأي رجال الكنيسة فحسبنا أن نقرأ ما كتبه الدكتور "وليام تامبل" أسقف كنيسة كنتربري وحبر أحبار إنجلترا، حيث يقول: "إن من الخطأ الفاحش أن نظن أن الله وحده هو الذي يقدم الديانة أو القسط الأكبر منها".
إذن الذي حدث أن تغير ظروف الواقع الموضوعي في الإمبراطورية الرومانية آنذاك، فرضت على الإمبراطور قسطنطين توظيف الدين توظيفاً سياسياً يخدم مصلحته الشخصية، ومصلحة الحفاظ على وحدة إمبراطوريته، ونفس الأمر كان بالنسبة لرجال الكنيسة، فإن مصلحتهم في التخلص من الاضطهاد والملاحقة جعلتهم ليس فقط يتحالفون مع الإمبراطور والحزب الوثني، بل واستبدال تعاليم المسيح السماوية بديانة وثنية، بهدف كسب مزيد من الأتباع!
طغيان الكنيسة (صكوك الغفران)
وكما اقتضت ظروف تلك المرحلة تحالف الوثنية البدائية مع النصرانية المُوَثنة، والشراكة بينهما في حكم أتباع الإمبراطورية الرومانية، والسماح للكنيسة بالتحكم في مصائر الأباطرة، والسيطرة على جميع شئون الحياة في الغرب، وأن تصبح لها الكلمة الفصل والمطلقة في أوروبا على الجميع، حكاماً ومحكومين. فإنها اقتضت أيضاً بعد تحول المجتمعات في الغرب إلى مجتمعات إقطاعية، أن يتم التحالف بين الكنيسة والأمراء الإقطاعيين، وقد لعب رجال الكنيسة الذين دخلوا على خط الإقطاع وتملكوا الإقطاعيات الكبيرة، دوراً كبيراً وخطيراً في تخدير مشاعر الفلاحين المستعبدين والمظلومين والمقهورين عند الإقطاعيين، وامتصاص نقمتهم، وإجهاض رغبتهم في الثورة والتمرد على ذلك الظلم، بكذبة: أن لهم ـ الفقراء ـ الجنة وملكوت السماء. وليت جشع رجال الدين النصارى وقف عند ذلك الحد؛ ولكنه ازداد ليمتد إلى ما في جيوب الفقراء من الزهيد من المال إن توفر، ليسرقوه باسم (صكوك الغفران).
فقد توجت الكنيسة تصرفاتها الشاذة وبدعها الضالة بمهزلة لم يعرف تاريخ الأديان لها مثيل، حيث كانت بحاجة إلى مزيد من السلطة الدينية والنفوذ المالي لمواجهة ألد وأخطر أعدائها (المسلمين) أثناء الحروب الصليبية التي بدأت تلوح علامات هزيمتها فيها، بعد أن بلغ ضعف الحماس الديني في نفوس الأوربيين مبلغاً كبيراً وفقد المقاتلون ثقتهم في الكنيسة نتيجة لخيبة أملهم في النصر الذي وعدتهم به وعداً قاطعاً، ففكرت في وسيلة تجعل المقاتل يندفع للاشتراك في الحملة الصليبية، فكانت تلك الوسيلة (صكوك الغفران)!.
حيث أصدر المجمع الثاني عشر المعروف باسم مجمع لاتيران سنة 1215م، قرار يمنح البابا حق امتلاك الغفران للمذنبين! يقول ول ديورانت: "أن صكوك الغفران كانت توزع على المشتركين في الحروب الصليبية ضد المسلمين". وأنه لم يكن يحظى بالحصول على صك الغفران إلا أحد أثنين:
1. رجل ذو مال يشترى الصك من الكنيسة حسب التسعيرة التي تحددها هي.
2. رجل يحمل سيفه ويبذل دمه في سبيل نصرة الكنيسة والدفاع عنها وحراسة مبادئها.
وقد مثل ذلك ذروة الطغيان الكنسي ضد الفقراء والأمراء على حد سواء، وكانت لها نتائج سلبية على الكنيسة ووضع حد لطغيانها نهائياً بعد عدة قرون. فقد كانت هذه البدعة أول أمرها من أسباب قوة الكنيسة ودعائم شموخها، وبالمقابل انخفضت سلطة الملوك والأمراء والنبلاء، وأصبحوا هم وشعوبهم أدوات أو صنائع لرجال الدين الذين يمنون عليهم بالعفو إن رضوا ويعاقبونهم بالحرمان إن سخطوا، كما أن الثراء الذي حصلت عليه الكنيسة جعلها تبدو منافساً قوياً لأصحاب الإقطاعيات وكبار الملاك، ما أثار في نفوسهم شعور العداوة لها والحقد عليها.
أضف إلى ذلك تلك الأسباب الأخرى التي تجدها في جميع الكتب عند الحديث عن ظروف نشأة العلمانية في الغرب، والثورة ضد الكنيسة، مثل:
1ـ الطغيان الديني (محاكم التفتيش): بدء من فرض عقيدة التثليث، مروراً باضطهاد الكنيسة لكل المخالفين انتهاء بلوثر. يقول برنتن: "لم يكن بوسع الكثيرين من أفراد المجتمع الغربي أن يعترفوا صراحة وجماعة بالإلحاد أو اللارادية أو بمذهب الاتصال بالله أو بأية عقيدة أخرى غير (المسيحية) إلا خلال القرون القلائل الأخيرة، وقد كان الكفار الذين يجاهرون بكفرهم قلة نادرة في الألف سنة التي استغرقتها القرون الوسطى".
2ـ الطغيان السياسي: فقد تحول رجال الدين إلى طواغيت ومحترفين سياسيين، وتملكتهم شهوة عارمة للتسلط ورغبة شرهة في الاستبداد. جاء في البيان الذي أعلنه البابا "نقولا الأول" قوله: "إن ابن الله أنشأ الكنيسة؛ بأن جعل الرسول بطرس أول رئيس لها، وأن أساقفة روما ورثوا بطرس في تسلسل مستمر متصل … (ولذلك) فإن البابا ممثل الله على ظهر الأرض يجب أن تكون له السيادة العليا والسلطان الأعظم على جميع المسيحيين، حكاماً كانوا أو محكومين".
3ـ الطغيان المالي: يستطيع المرء أن يقول دون أدنى مبالغة أن الأناجيل النصرانية لم تنهَ عن شئ نهيها عن اقتناء الثروة والمال، ولم تنفر من شئ تنفيرها من الحياة الدنيا وزخرفها، وجاءت القرون التالية فشهدت مفارقة عجيبة بين مفهوم الكنيسة عن الدنيا وبين واقع الكنيسة العملي، ونستطيع أن نلخص مظاهر الطغيان الكنسي في هذا المجال بما يلي:
* الأملاك الإقطاعية: يقول ول ديورانت: "أصبحت الكنيسة أكبر ملاك الأراضي وأكبر السادة الإقطاعيين في أوروبا، فقد كان دير "فلدا" مثلا، يمتلك (15000) قصر صغير، وكان دير "سانت جول" يملك ألفين من رقيق الأرض، وكان "الكوين فيتور" (أحد رجال الدين) سيدا" لعشرين ألف من أرقاء الأرض، وكان الملك هو الذي يعين رؤساء الأساقفة والأديرة … وكانوا يقسمون يمين الولاء كغيرهم من الملاك الإقطاعيين ويلقبون بالدوق والكونت وغيرها من الألقاب الإقطاعية … وهكذا أصبحت الكنيسة جزءاً من النظام الإقطاعي.
* الأوقاف: قال المصلح الكنسي "ويكلف" وهو من أوائل المصلحين: "إن الكنيسة تملك 3/1 أراضي إنجلترا وتأخذ الضرائب الباهظة من الباقي، وطالب بإلغاء هذه الأوقاف واتبع رجال الدين بأنهم "أتباع قياصرة لا أتباع الله".
* العشور: يقول ويلز: "وكانت الكنيسة تجبي الضرائب ولم يكن لها ممتلكات فسيحة ولا دخل عظيم من الرسوم فحسب، بل فرضت ضريبة العشور على رعاياها، وهي لم تدع إلى هذا الأمر بل طالبت به كحق".
* ضريبة السنة الأولى: لم تشبع الأوقاف والعشور نهم الكنيسة الجائع وجشعها البالغ بل فرض البابا حنا الثاني والعشرين "ضريبة السنة الأولي" وهى مجموعة الدخل السنوي الأول لوظيفة من الوظائف الدينية أو الإقطاعية، تُدفع للكنيسة بصفة إجبارية، وبذلك ضمنت الكنيسة مورداً مالياً جديداً.
* الهبات والعطايا: كانت الكنيسة تحظى بالكثير من الهبات التي يقدمها الأثرياء الإقطاعيون للتملق والرياء أو يهبها البعض بدافع الإحسان والصدقة، وقد ازدادت الهبات والعطايا بعد مهزلة صكوك الغفران إذ انهالت التبرعات على الكنيسة وتضخمت ثروات رجال الدين كما أسلفنا.
هذا ولا ننسى المواسم المقدسة والمهرجانات الكنسية التي كانت تدر الأموال الطائلة على رجال الكنيسة، فمثلاً "في سنة 1300م عقد مهرجان لليوبيل واجتمع له جمهور حاشد من الحجاج في روما بلغ من انهيال المال إلى خزائن البابوية أن ظل موظفان يجمعان بالمجاريف الهبات التي وضعت عند قبر القديس بطرس".
* العمل المجاني "السخرة": سبق القول بأن الكنيسة تملك الإقطاعيات برقيقها وأن بعض رجال الدين كان يملك الآلاف من الأرقاء، غير أن ذلك لم يقنع الكنيسة بل أرغمت أتباعها على العمل المجاني في حقولها وفي مشروعاتها، لا سيما بناء الكنائس والأضرحة، وكان على الناس أن يرضخوا لأوامرها ويعملون بالمجان لمصلحتها مدة محددة هي في الغالب يوماً واحداً في الأسبوع ولا ينالون مقابل ذلك جزاء"ً ولا شكوراً.
4ـ الصراع بين الكنيسة والعلم: بما أن الدين بصبغته الإلهية النقية لم يدخل المعركة، فإن الأصح أن نسمي ما حدث في الغرب صراعاً بين الكنيسة والعلم، وليس بين الدين والعلم. والصراع بين الكنيسة سيأتي الحديث عنه.
إعادة تقويم لمرحلة حكم الكنيسة
أقول في نقاط مختصرة:
1ـ كان التحالف بين الوثنية البدائية والنصرانية المُوثَنة ضرورة أملتها الظروف التاريخية في المجتمعات الأوروبية.
2ـ أن النصرانية لم تكن دين إلهي سماوي نقي من العقائد الوثنية والأهواء البشرية، ولكنه كان دين خليط من جميع المعتقدات والأفكار والفلسفات التي كانت منتشرة في ذلك الزمن.
3ـ الديانة النصرانية لا يوجد فيها تشريعات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أخلاقية...إلخ، يمكن أن تكون نظام حياة ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم، وعلاقة أفراد المجتمع بعضهم ببعض، وعلاقة المجتمع النصراني بغيره من المجتمعات الأخرى، ولكن الأناجيل النصرانية احتوت في معظمها على عرض متناقض لحياة وسيرة السيد المسيح عليه السلام منذ ولادته إلى أن توفاه الله تعالى ورفعه إليه. بالإضافة إلى بعض التعاليم والمواعظ عن السلام والمحبة والتسامح.
4ـ إذن الدين لم يكن يحكم في أوروبا في القرون الوسطى ولكن الذي كان يحكم هم البشر، رجال الكنيسة والأباطرة والأمراء والإقطاعيين، وقد كان نظام الحكم في أوروبا العصور الوسطى مقسم بين تلك الأطراف على النحو التالي:
* التنظيم الروحي: ويمثله رجال الدين ومجال عمله الكنائس والأديرة ووظيفته الوعظ والتوجيه للخلاص من "الخطيئة".
* التنظيم الزمني: وتمثله الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية وميدانه شؤون الحياة الدنيوية.
ذلك يعني أنه من الوجهة العلمية كان الفصل بين الدين والسياسة موجوداً بالفعل، أي أن هناك نوعاً من (العلمانية الموضوعية) كان يسود الحياة الأوروبية طيلة القرون الوسطى، وذلك أمر طبيعي ما دام الحكم بما أنزل الله غير نافذ في المجتمع.
النهضة العلمية والفكرية في أوروبا
تلك كانت حقيقة الأوضاع التي كانت عليها أوروبا في العصور الوسطى، وقد كانت الشعوب الأوروبية والملوك والأباطرة ورجال الدين الصغار يتحينون الفرصة لإعلان احتجاجهم والتمرد على سيطرة الكنيسة، لذلك لم تكد بوادر الاستنكار ضد تصرفات الكنيسة ولا سيما (صكوك الغفران) تبرز للعيان حتى انتهزها الملوك والأمراء فرصة سانحة لحماية الحركات المعارضة وتأجيج سعيرها، ولولا أن بعض المصلحين الكنسيين وجدوا الحماية والعطف من الأمراء والنبلاء لما نجوا من قبضة الكنيسة.
أما العوامل التي ساعدت في القضاء على استبداد الكنيسة وتسلطها على أتباعها فهي كثيرة، نذكر منها ما اعتدنا على قراءته في معظم الكتب التي تحدثت عن الصراع الذي دار في الغرب بين الكنيسة ورجال الفكر والعلم وبعض مَنْ يطلقون عليهم اسم (المصلحين الدينيين)، وعلى رأسهم مارتن لوثر:
1ـ تأثير العلوم والمعارف الإسلامية: عرفت أوروبا الطريق إلى النهضة بفضل مراكز الحضارة الإسلامية في الأندلس وصقلية وجنوب إيطالية التي كانت تشع نور العلم والمعرفة، وأيقظت العقل الأوروبي من سباته وأخذ يقتبس عن المسلمين طرائق البحث ومناهج التفكير التي تجعله يكد ويعمل في مجال اختصاصه دون وصاية ضاغطة. وقد ثارت ثائرة رجال الكنيسة على الذين يتلقون علوم الكفار (المسلمين)، ويعرضون عن التعاليم المقدسة فأعلنت حالة الطوارئ ضدهم وشكلت محاكم التفتيش في كل مكان تتصيدهم وتذيقهم صنوف النكال. وأصدرت منشورات بابوية جديدة تؤكد العقائد السابقة وتلعن وتحرم مخالفيها، وبذلك قامت المعركة على قدم وساق وأخذت تزداد سعاراً بمرور الأيام.
ويذكر بعض المؤرخين الغربيين: "أن الباباوات بعد أن وقفوا على شغف العالم الأوروبي بالثقافة العربية، سعوا إلى مقاومتها بشتى الطرق، لأنها تشكل خطرا على أوروبا ودينها .. فقد كان يترتب على الذين يريدون الوقوف على حضارة عصرهم أن يجيدوا اللغة العربية، وللعربية فلسفتها، وفلسفتها تناقض الإنجيل، وكان العرب قد سادوا العالم بالقرآن الكريم". ويصف (غابريلي) في كتابه "تراث الإسلام" حال أوروبا النصرانية آنذاك، بقوله: "لقد استعربت "المسيحية" بسرعة لغويا وثقافيا".
وقد اعترف كثير من مؤرخي الغرب ومستشرقيه بفضل الإسلام والمسلمين على العالم، وبفضل الحضارة الإسلامية على الإنسانية بما قدمته لها من نتاج فكري وحضاري ضخم. يقول (سيديو): "كان المسلمون في القرون الوسطى منفردون في العلم والفلسفة والفنون وقد نشروهما أينما حلت أقدامهم، وتسربت منهم إلى أوروبا، فكانوا هم سببا في نهضتها وارتقائها". ويذهب إلى أن المسلمين هم في واقع الأمر أساتذة أوروبا في جميع فروع المعرفة. ويقول المؤرخ الفرنسي الدكتور جوستاف لوبون: "إن العرب أنشئوا بسرعة حضارة جديدة كثيرة الاختلاف عن الحضارات التي ظهرت سابقاً". أما (ول ديورانت) صاحب كتاب "قصة الحضارة" فيقول عن سيادة الإسلام وتزعمه للعالم آنذاك: "لقد ظل الإسلام خمسة قرون على الأقل من عام 700م ـ 1200م يتزعم العالم كله في القوة والنظام، وبسطه الملك، وجميل الطباع والأخلاق، وفي ارتفاع مستوى الحياة والتشريع الإنساني هي الرحيم، والتسامح الديني، والبحث العلمي، والعلوم، والطب والفلسفة ...ألخ". والحضارة الغربية المعاصرة لم تُدَشن في مدن أوروبا كما يقول (محمد أسد): "ولكن الذي وضعه العرب كان أكثر من بحث لعلوم اليونان القديمة، لقد خلقوا لأنفسهم علما جديدا تام الجدة. لقد وجدوا طرائق جديدة للبحث، وعملوا على تحسينها، ثم هذا كله وصل بوسائط مختلفة إلى الغرب، ولسنا نبالغ إذا قلنا: "إن العصر العلمي الحديث الذي نعيش فيه لم يدشن في مدن أوروبا النصرانية، ولكن في المراكز الإسلامية في دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة". أما نيكسون فيقول: "... أما المكتشفات اليوم فلا تحسب شيئا مذكوراً إزاء ما نحن مدينون به للرواد العرب الذين كانوا مشعلاً وضّاءاً في القرون الوسطى المظلمة ولا سيما أوروبا ...".
2ـ النهضة العلمية الأوروبية: ومن النظريات التي لعبت دوراً في زعزعة ثقة الغربيين بالكنيسة:
* نظرية كوبرنيق (1543) الفلكية، فقبل هذه النظرية كانت الكنيسة تعتنق نظرية بطليموس التي تجعل الأرض مركز الكون وتقول أن الأجرام السماوية كافة تدور حولها. وقد قالت نظرية كوبرنيق بعكس ذلك. وقد أيدها "جردانو برونو" الذي أحرقته الكنيسة سنة 1600م. ثم "جاليلو" الذي تراجع عن موقفه خوفاً من الإعدام.
ولم يكد القرن السابع عشر يستهل حتى تبلور النزاع واتخذ شكلاً جديداً: فقد أصبح النزاع بين النص الذي تعتمد عليه الكنيسة وحججها الواهية وبين العقل والنظر الذي استند إليه أصحاب النظريات الجديدة. ولم يجرؤ دعاة المذهب العقلي (ديكارت) أول الأمر على إنكار الوحي بالكلية، بل جعلوا لكل من الطرفين دائرة خاصة يعمل فيها مستقلاً عن الآخر.
* نظرية الجاذبية الأرضية لإسحاق نيوتن (1642)، التي جاءت مؤيدة بقانون رياضي مطرد أبهرت عقول الفئات المثقفة واتخذها أعداء الدين سلاحاً قوياً حتى لقد سميت "الثورة النيوتونية ". ولا شك أن نظرية نيوتن من أعظم النظريات العلمية أثراً في الحياة الأوروبية، فإليها يعزى الفضل الأكبر في نجاح كل من المذهب العقلي والمذهب الطبيعي. كما أن مذهب الإيمان بإله مع إنكار الوحي، والإلحاد ذاته مدينان لهذه النظرية من قريب أو بعيد، على أن هذه الآثار لم تظهر إلا فيما بعد.
* نظرية دارون التي نشرها عام 1859م (النشوء والارتقاء)، كان العلم النيوتنى قد ألقي في روع أعداء الكنيسة إمكان تفسير الظواهر الطبيعية (ميكانيكياً) أي دون الحاجة إلى مدبر، لذلك تركز الصراع على إيجاد فكرة عن الحياة تقوم على قانون ميكانيكي كقانون نيوتن في الفلك. وقد استطاع داروين العثور على ذلك القانون المزعوم من طريق بعيد عن مجال الحياة والأحياء، إذ استوحاه من علم آخر هو (علم دراسة السكان) ومن نظرية (مالتوس) بالذات، فقد استنتج من إفناء الطبيعة للضعفاء لمصلحة بقاء الأقوياء، كما توهم مالتوس، قانونه في التطور المسمى "الانتقاء (أو الانتخاب) الطبيعي وبقاء الأنسب"
وقد مهدت نظرية دارون إلى انهيار العقيدة الدينية، ونشر الإلحاد في أوروبا، وقد قال عنها أحد العلماء الغربيين "بأنها أبوها الكفر وأمها القذارة". ويقول (وليم جيمس) عن الأثر الداروينى في الأخلاق: "إن فلسفة النشوء والارتقاء قد ألغت المعايير الأخلاقية التي سبقتها كلها لأنها رأتها معايير ذاتية شخصية وقدمت لنا بدلها معياراً أخر نتعرف به على الخير من الشر وبما أن المعايير السابقة معايير نسبية فهي مدعاة للقلق والاضطراب وأما هذا المعيار الذي ارتضوه وهو أن الحسن ما قدر له أن يبقى يظهر ويبقى فهو معيار موضوعي محدد".
3ـ حركات الإصلاح الديني: معلوم أنه قامت عدة ثورات وحركات إصلاح دينية ضد الكنيسة ومفاهيمها الضالة الباطلة لم يكتب لها النجاح، وذلك نتيجة تحالف الإقطاعيين مع الكنيسة ضدها. وهناك حقيقة ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا وهي أن تلك الثورات لم تكن تمرداً على الكنيسة لأنها كنيسة بل لأنها "مالك إقطاعي". يقول ويلز "كانت ثورة الشعب على الكنيسة دينية …فلم يكن اعتراضهم على قوة الكنيسة بل على مساوئها ونواحي الضعف فيها وكانت حركات تمردهم على الكنيسة حركات لا يقصد بها الفكاك من الرقابة بل طلب رقابة دينية أتم وأوفي … وقد اعترضوا على البابا لا لأنه الرأس الديني للعالم المسيحي بل لأنه لم يكن كذلك أي لأنه كان أميراً ثرياً دنيوياً بينما كان يجب أن يكون قائدهم الروحي".
ولكن من الحركات التي كُتب لها النجاح (حركة مارتن لوثر وكالفن) وأمثالهم، وقد كان من أخطر نتائج تلك الحركات وخاصة حركة مارتن لوثر:
أـ أنها حطمت الوحدة الشكلية للعالم الغربي النصراني، وأضعفت السلطة الكنيسة المركزية بكثرة ما أحدثته من مذاهب وفرق لا حصر لها.
ب ـ وضع الأساس الأول والرئيس لنشوء الدول القومية في أوروبا على أساس اللغة والعرق.
ج ـ إحداث انشقاق ثاني في الكنيسة الغربية أدى إلى ظهور مذهباً دينيا نصرانياً جديداً كان سبباً في تدمير أمتنا وضياع فلسطيننا وهو المذهب البروتستانتي.
د ـ ساعدت على نشوء الطبقة البرجوازية في أوروبا، التي دعمت حركات الخروج على الكنيسة والثورة ضد الإقطاع.
هـ أدت في النهاية إلى عودة العلمانية اللادينية الإغريقية ـ الرومانية إلى الحياة الأوروبية بأبشع صورها.
4ـ نشوء الطبقة البرجوازية: لقد أحدثت حركة لوثر وكالفن تحولات ظاهرة في الحياة الأوروبية، وظهرت "الطبقة البرجوازية" مستندة إلى أقوال "لوثر وكالفن"، ومستفيدة من ثمار التقدم العلمي التجريبي وظل دور هذه الطبقة محدوداً حتى بدأ ما يسمى "الثورة الصناعية"، حيث بدأ المصنع يستأثر بما كان للأرض من قيمة ونفوذ واشتد التنافس بين رجال الصناعة في المدن والملاك الزراعيين في إقطاعيات الأرياف.
وهذا التحول بالإضافة أدى إلى تخلخل المجتمع الأوروبي وتغيير بعض ملامحه الثابتة، فابتدأت المدن الأوروبية في النمو وظهرت الطبقة الوسطى "البورجوازية"، فظهر منافس قوي للإقطاعيين يتمثل في طبقة تجار المدن البورجوازيين الذين كانوا بمثابة الطلائع للرأسماليين الكبار. وإلى جانب ذلك كان ظهور الورق والمطابع العامل الفعال في نشر اليقظة الشعبية ضد تحالف الكنيسة والإقطاع وتوسيع ميدانها.
ولكن بظهور الآلات ذات القوى المحركة أصبح واضحاً أن المنافسة الصناعية الحرة لم تؤد إلى النتيجة التي كان يتوقعها الاقتصاديون والفلاسفة السياسيون، فقد كانت الأرباح تعود على أصحاب الصناعة والآلات وحدهم، ونهضت الآلات بأكبر عبء من العمل فامتلأت البلاد بالعمال العاطلين، ووجد أصحاب المصانع الأحرار أن ذلك فرصة لتخفيف الأجور وإطالة ساعات العمل. وتسارعت التحولات في المجتمعات الغربية.
5ـ الثورة الفرنسية: كل تلك التحولات آذنت بهبوب رياح التغيير على القارة وأنذرت بافتتاح عصر جديد مغاير للماضي في قيمه وتصوراته وأوضاعه، وكانت أحوال فرنسا الثقافية والاجتماعية تؤلها لافتتاح ذلك العصر. فكانت الثورة الفرنسية عام 1789م. وتمخضت الثورة عن نتائج بالغة الأهمية، فقد ولدت أول مرة في تاريخ أوروبا المسيحية دولة جمهورية لا دينية، تقوم فلسفتها على الحكم باسم الشعب "وليس باسم الله "، وعلى حرية التدين بدلاً من الكثلكة، وعلى الحرية الشخصية بدلاً من التقيد بالأخلاق الدينية، وعلى دستور وضعي بدلا من قرارات الكنيسة.
وكان نجاح الثورة الفرنسية حافزاً قوياً لبقية الشعوب الأوروبية، فاندلعت الثورات المتتابعة وارتفعت صرخات المفكرين ممن يسمون "دعاة الحرية" منددين بالمساوئ التي يعج بها المجتمع، والقيود التي يرزح الفرد تحت نيرها. وكان هنالك – بطبيعة الحال – فئة واحدة فقط تدرك النهاية الحقيقية والمغزى العميق للعملية، هذه الفئة هي طبقة "الرأسمالية" الذين يمثلون الخلاصة المتطورة للطبقة البرجوازية. وغني عن البيان القول بأن الرؤوس البارزة في هذه الطبقة هم "المرابون اليهود".
نشوء العلمانية السافرة
وتوالت الأحداث وتعددت الآراء والنظريات والفلسفات اللادينية وخاصة في القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من أن نظرية دارون أجهزت على (النصرانية الرسمية)، وأفسحت الطريق لإبعاد الدين بصفة نهائية من التأثير في حياة الغربيين، ومهدت لرفضه رفضاً باتاً حتى في صورته الوجدانية المجردة، إلا أنها تعيد أوروبا إلى العلمانية اللادينية الإغريقية ـ الرومانية. ولكنها بالاشتراك مع نظرية ميكافيللي في السياسة التي عبر عنها في كتابه (الأمير)،أصبحت العلمانية اللادينية هي النظام المسيطر في الغرب كله. فقد (نيقولا مكيافيللي) الذي أطلق عليه لقب "أول المحدثين"، أول من تبنى دعوة علمانية ذاتية في العصور الوسطى، ودعا بصراحة إلى استبعاد الدين وعزله عن جانب مهم من جوانب الحياة، وهو السياسة.
وانطلاقاً من ذلك وجد علم السياسة الحديث بغيته المنشودة في كتابه "الأمير" الذي نشره قرابة عام 1513م، الذي شكل مصدر الإلهام في العصر الحديث بالنسبة للحكام والمفكرين السياسيين على حد سواء. والميكافيلية باعتبارها منهجاً عملياً للحكم تقوم كما رسمها واضعها في "الأمير" على ثلاثة أسس متلازمة مستمدة من تصور لاديني صرف هي:
1-الاعتقاد بأن الإنسان شرير بطبعه وأن رغبته في الخير مصطنعة يفتعلها لتحقيق غرض نفعي بحت ، وما دامت تلك هي طبيعته المتأصلة فلا حرج عليه ولا لوم إذا انساق وراءها.
2-الفصل التام بين السياسة وبين الدين والأخلاق، فقد رسم ميكافيللي للسياسة دائرة خاصة مستقلة بمعاييرها وأحكامها وسلوكها عن دائرة الدين والأخلاق، "وفرق ميكافيللي" تمام التفريق بين دراسة السياسة ودراسة الشؤون الأخلاقية وأكد عدم وجود أي رابط بينهما".
3- إن الغاية تبرر الوسيلة: وهذه هي القاعدة العملية التي وضعها ميكافيللي بديلاً عن القواعد الدينية والأخلاقية. فالمعيار الذي تقاس به صلاحية الوسيلة أو عدمها ليس معياراً موضوعياً بل هو معيار ذاتي شخصي، وللسياسي وحده الحق في الحكم بصحة أي لون من ألوان السلوك أو خطئه وبطلانه.
وقد أصبحت المعادلة الجديدة في العرب تقوم على أساس أن:
الميكافيللية تقول: إن الحق هو القوة!.
والداروينية تقول: إن الوجود هو القوة.
والداروينية نظرية علمية إذن فلتكن الميكافيللية كذلك.
والذي شجع على الإيمان بصحة تلك المعادلة، هو: أن الحياة الأوروبية شهدت في تلك الفترة انهيار نظام اجتماعي وقيام نظام آخر محله. فقد انهار الإقطاع وولدت الرأسمالية. كما أن السياسة – في ذلك القرن – ارتبطت بالاقتصاد ارتباطاً قوياً فازدادت بعداً عن الدين والمؤثرات الدينية.
وهكذا عادت الأمور في الغرب إلى طبيعتها الوثنية الأولى، وإلى أُصول ديانتها الوثنية البدائية، ولم يعد الغرب ملحداً ولا كافراً بكل فكرة دينية كما يتصور الكثيرين، ولكن الغرب عاد إلى وثنيته التي كان عليها قبل تدخل الباباوات ورجال الدين باسم الحق الإلهي في حياة الإنسان الغربي، وتنغيص حياته عليه، وفرض جدار حديدي سميك من الجهل والتخلف والخرافات عليه باسم الدين.
العلمانية مفهومية دينية..؟!
بقي أن نطرح سؤال ونحاول الإجابة عليه:
هل يمكن أن تكون العلمانية والأفكار اللادينية، دين؟!
للإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من:
تعريف الدين في المجتمعات الغربية
يقصد بالدين في مدارس العلوم الاجتماعية وتاريخ الأديان في الغرب، أنه: ظاهرة اجتماعية لها جانبان، هما: جانب نفسي "حالة التدين"، وجانب موضوعي خارجي، وهذا يتضمن العادات والشعائر والمباني والمعابد والروايات المأثورة والمعتقدات والمبادئ التي تدين بها أمة أو شعب أو مجتمع ما. والدين في اللغات الأوروبية (religion)، يرجع إلى أصله اللاتيني الذي يتكون من مقطعين (re) الذي يفيد الإعادة والتكرار، و (ligion) الذي أصله ( legere) ومعناها الجمع والربط. فالدين في أصله اللاتيني الذي ترجع إليه اللغات الأوروبية يفيد معنى الربط والجمع المتكرر مرة بعد مرة.
وكأن اللغة اللاتينية تشير إلى أن مهمة الدين تكون في تحقيق الربط والجمع بين أتباعه. وهذا المعنى نجده في تعريفات العلماء الغربيين، الذين يجنحون إلى التركيز على وظيفة الدين أكثر من التركيز على حقيقة الدين ذاته. لأننا إذا ما استثنينا العقلانيين ومفكرو ما بعد الحداثة، يمكننا إجمال المفهوم الغربي للدين: بأنه "وحدة الربط الميتافيزيقية بين الإنسان والعالم". أما الدور الوظيفي للدين في المجتمعات الغربية؛ فإنه كما يقول كاسيرر: "يؤدي وظيفة نظرية وعملية لأنه يحتوي نظرة كونية وأُخرى إنثروبولوجية، فهو يجيب على السؤال عن أصل العالم وعن أصل المجتمع الإنساني".
لذلك يرى مالك بن نبي أن الدين هو التعبير التاريخي والاجتماعي عن التجارب المتكررة خلال القرون، ويُعد في منطق الطبيعة أساس جميع التغيرات الإنسانية الكبرى، ولأننا لا نستطيع تناول الواقع الإنساني من زاوية المادة فحسب، فإن الفكرة الدينية لا تعتبر نسقاً من الأفكار الغيبية فقط، ولا تقتصر على الدين السماوي فقط، بل هي قانون يحكم فكر الإنسان، ويوجه بصره نحو أُفق أوسع، ويروض الطاقة الحيوية للإنسان، ويجعلها مخصصة للحضارة. وعلى ذلك فالإصلاح الديني ضرورة باعتباره نقطة في كل تغيير اجتماعي".
كما يرى أن دور الدين الاجتماعي منحصر في أنه "يقوم بتركيب" يهدف إلى "تشكيل قيم"، تمر في الحالة الطبيعية إلى وضع نفسي زمني، ينطبق على مرحلة معينة للحضارة. وبذلك يصبح دور الدين الاجتماعي منحصراً في أنه يقوم بتشكيل قيم المجتمع وحركته عندما يُعبر عن فكرة جماعية". أي بدون الدين لا يمكن أن يكون هناك ناتج حضاري. فالدين إذن هو "مُرَكَب" القيم الاجتماعية، وهو يقوم بهذا الدور في حالته الناشئة، حالة انتشاره وحركته، عندما يعبر عن فكرة جماعية.
لذلك يجد دارسي تاريخ الأديان في الغرب صعوبة في الفصل بين مفهوم الدين ودوره الاجتماعي، فالدين يقوم بدور الربط بين أفراد المجتمع حول فكرة معينة، أو أفكار، أو اتجاهات، أو أي عقيدة أيديولوجية تجمع بين أفراد أمة من الأمم.
وقد اعتبر أرنولد توينبي أن انتصار العلم على الدين انتصاراً ساحقاً يشكل كارثة على العلم والدين معاً، وأن أخطر كارثة يواجهها العالم اليوم هي أن الجماهير ـ وخصوصاً الغربية ـ قد استعاضت عن الفراغ الديني بأيديولوجيات لا تفترق عن الأديان البدائية من حيث وثنيتها حيث عبادة الذات وإن تسترت تحت ستار القومية أو الاشتراكية ـ متمثلة في تأليه الدولة أو الحاكم.
لذلك اعتبر يوسف الحوراني: أن الأفكار العلمية المعاصرة هي نوع من معطيات شبه دينية لعقائد جديدة في فهم العالم. معتبراً أن العقائد القومية والاجتماعية والسياسية، التي لا تزال تعيش في عصرنا وتخضع لعلاقات وروابط مثالية أو ميتا فيزيقية لا تخرج عن كونها مظهراً جديداً من مظاهر الدين رافق تطور المجتمع من بدئه حتى الآن، والذي لا يخرج عن كونه حساً إنسانياً يتخذ أشكالاً مختلفة تختلف بين زمن وآخر، وبين أمة وأُخرى.
ذلك لم يفت مالك بن نبي وهو يُشرح الحضارة الغربية ويشخص أمراضها، ويبرز خصائصها المُمَيِزة لها، حيث أشار إلى الأفكار اللادينية التي سادت الغرب بعد ضعف واضمحلال سيطرة وهيمنة الكنيسة والفكر الديني النصراني، معتبراً إياها "مفهومية دينية" في حقيقتها، حيث يرى "أن الفكرة الدينية لا تقوم بدورها الاجتماعي إلا بقدر ما تكون متمسكة بقيمتها الغيبية ... أي بقدر ما تكون معبرة عن نظرتنا إلى ما بعد الأشياء الأرضية"، وعندما تُفقد هذه القيمة الغيبية، فإنها تترك مكانها، أو تعمل بواسطة بديلاتها اللادينية نفسها، وعلى ذلك فأي مفهومية تطرح نفسها بديلاً عن المفهومية الدينية، هي دين، وهذا ما يحدث في الغرب فالمادية مفهومية دينية في حقيقتها حينما تطرح نفسها بديلاً للدين.
ولمعرفة الدور الفعال للفكرة الدينية في إنشاء الحضارات، علينا أن نتتبعه من خلال تتبع ذلك "الاطراد بين الفرد والفكرة الدينية التي تبعث الحركة والنشاط" ذلك لأن الفكرة الدينية تشترط سلوك الفرد، فتخلق بذلك في قلوب المجتمع بحكم غائية معينة ـ تتجلى هذه (الغائية) في مفهوم (آخرة) وتتحقق تاريخاً في صورة حضارة، وذلك بمنحها إياها الوعي بهدف معين، تصبح معه الحياة ذات دلالة ومعنى، وهي حينما تمكن لهدف من جيل إلى جيل ومن طبقة إلى أُخرى، فإنها حينئذ تكون قد مكنت لبقاء المجتمع ودوامه، وذلك بتثبيتها وضمانها لاستمرار الحضارة.
ذلك هو معنى ومفهوم الدين والدور الذي لعبه في تشكيل المجتمعات الغربية وما زال يلعبه إلى اليوم، وبعدان استكمل الاستاذ/مصطفى انشاصي محاضرتة عقب علية الاستاذالدكتور/حمودالعودي نظرا لاعتذارالاستاذ/قايدالطيري عن تقديم ورقتة كونة كان من المقرران تقدم ورقتان في هذة الفعالية وردالدكتورالعودي رد كونة عالم اجتماع شاكرا للباحث السردالتاريخي لنشاة العلمانية وموضحاالنشاة التاريخية بسردعلمي اجتماعي وقد اثريت المحاضرة بالعديدمن المداخلات القيمة حضرهذة الفعالية السفيرالسابق/عبدالرب علوان والدكتور/عبدالاله ابوغانم وعددمن الباحثين والمهتمين واعلن الاستاذ/سميرمريط القائم باعمال المديرالتنفيذي لمركزدال ان الفعالية القادمة ستكون عن الاوضاع الراهنة التي يمربها اليمن وسيتحدث فيها الاستاذالسفير/عبدالرب علوان
الأحد، 8 نوفمبر 2009
الخميس، 5 نوفمبر 2009
حقوق المواطنة المتساوية في ظل الاوضاع الراهنة
بقلم :علي ناصرالجلعي
ونحن في جلسة مقيل عند أحدالاصدقاء الاعزاء أتصل بي صديق وأخ عزيز الدكتور/عبدالصمدالحكيمي يخبرنا بوفاة
السفير/عبدالرحمن سلام وهوزميل عزيزفي موسكووكلمني بحكم أني رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجاربالبشر
أنهم طلبوعشرة الف دولارتكاليف شحن الجثة وماذا ساعمل كون هذة متاجرة بالبشرالميتين فطلبت منة ان يرسل أولياء
المتوفي رسالة الى ايميل المؤسسة حتى تكون لي مستند قانوني أستطيع أتخاطب مع الجهات المختصة ولم يتم الرد وبالصدفة
كان الدكتور/على حمود الفقية بجواري وهوأحد موظفي وزارة الخارجية المجمدين أوالمتقاعدين قسرا من قبل السلطة بسبب
أرائة وأنتمائة السياسي وكلمني عن السفيرالذي قضى كل عمرة في خدمة العمل الدبلوماسي اليمني وبعد ذلك وصلت الجثة
وتم الدفن والعزاء وأخبرني الدكتورالفقية أنه فعلا طلبوهذا المبلغ وقامت وزارة الخارجية بعمل مايناط بها وتم الاتصال بالسفير
لدفع المبلغ وسيتم أرسال شيك للسفارة بالمبلغ وللاسف سفيرنا في موسكوالذي لا أعرف حتى أسمة رفض دفع المبلغ وقام
الملحق العسكري بتدبيرالمبلغ ودفعة وتم شحن الجثة بفضل تدخل الوطنيين والشرفاء مماسبق نريد أن نستنتج التالي :-
ماهودورالسفيرولماذا يتم تعيينة وفتح سفارة في أي بلد في العالم وماذا يجب على الدولة في ظل رفض السفيرتعليمات وزارة
الخارجية أن صح ذلك وأنا أكتب هذا المقال أتصل بي الاستاذ/جمال العزي وطلب مني أن اكتب أذا كان تكلفة شحن الجثة
عشرة الف دولارفماهودور الخطوط الجوية اليمنية ولماذا لايتم التنسيق مع السفارة في مثل هذة الامور وإذا لم يوجدقانون ينظم ذلك نطالب مجلس
النواب أصدارقانون يعفي أي متوفي يمني من رسوم الشحن للجثة أذا توفى خارج البلاد حتى نؤكد مواطنتة وأنتمائة لبلدة وهذا أرخص
شيئ يقدم لاي مواطن ينتمي لهذا الوطن ويدفن في ترابة ويجب إصدارقوانين وتشريعات تنظم حياتنا اليومية وتكون كل الحقوق متساوية
لكل اليمنيين. أن كل مايحصل اليوم من أنقسام وتشتت وحرب هوبسبب ضعف النظام والقانون والتعامل مع المواطنين بدرجات متفاوتة
مما أدى ألى أنتشارالكراهية والتفرقة موجودة في كل مفاصل الدولة حتى على مستوى المكاتب والوزارت الحكومية فهناك من يوصل
وتفتح لة الابواب كونة شيخ أوشخصية أجتماعية أومقرب من السلطة وهناك من تغلق في وجهة ألابواب ومنعة من الدخول لقضاء مصلحتة وأنا لا أقصد أن من يسمح لة
الدخول هومسؤل أوموظف في المرفق بل مراجع مثلة مثل أي مواطن فبالله عليكم عندما يحصل هذا في كل القطاعات ماذا ستكون ردة الفعل
ناهيك عن وصول أشخاص لهم مصلحة والمواطن المسكين منتظرفي إستعلامات الدائرة أوالمصلحة ويأتي غيرة وهومراجع مثلة
ويتم الترحيب بة ويدخل يقضي مصلحتة والاخرمنتظرماذا ستكون ردة فعلة وهذة من الاشياء البسيطة فمابالكم بالاشياء الاخرى وماخفي كان أعظم .أوجهة ندائي لصاحب الفخامة وأصحاب المعالي وكل
المسئولين أذا أرادوالخيرللوطن أن يعاملوالمواطنين بدرجة متساوية دون تفاوت في كل القطاعات وأن يحلومشاكل الناس ويطبقوالنظام
والدستوروالقانون وعدم التشدق بالوطنية والمبادئ فكل اليمنيين وطنيين ومايحصل اليوم هونتيجة للممارسات الخاطئة والتجاهل لمصالح
الناس وأستحقارهم في المنشأت الحكومية لوكانت الاجهزة الامنية متيقظة ومنتشرة في عموم مديريات ومناطق صعدة لن يحصل تمرد ولاخروج
عن النظام والقانون كون الاجهزة الامنية مرابطة وأين الانتشارالامني الذي كان يدشن وينفق لة الملايين أم كان أنتشارعلى الورق وشاشات التلفزيون
فقط وكلمة أخيرة كفى ظلما وكفى أستهتارا وكفى لعب بالاوراق والكروت لهذا الشعب اليمني العريق ونطالب وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة
بارسال طبيب الى كل مدرسة من أجل مواجهة الوباء(أنفلونزا الخنازير) وتفعيل أدارة الصحة المدرسية التي تباع أستمارتها في الشوارع دون كشف طبي بل كذب وتدليس
وضحك علا الدقون وجباية للمال فقط وياليت ويتم أعتماد التوقيت الشتوي والصيفي مثل كل دول العالم من اجل أطفالنا فلذات أكبادنا وحمايتهم من البرد القارس
قبل عيدرمضان أتصلت بالمسؤلين في وزارة الصحة المكلفين بمتابعة ( مرض أنفلونزا الخنازير)كان يوم الخميس في رمضان وطلبت منة أبلاغ خطباء المساجد بالتوعية عن هذا المرض حتى نحد منة خصوصا مع قرب
العيد وكذلك ألزام شركات الاتصالات الخلوية بارسال رسائل مجانية لتوعية الناس قبل العيد كون المصافحة علا الوجهة من أسباب الانتشار.وحتى لا اكون جاحد تم أرسال الرسالة عن طريق
الرقم2626لمشتركي يمن موبايل وهي لمشتركي الاخبارفقط ومدفوعة الثمن من قبل المشترك أتصلت مرة أخرى قلت هذة مدفوعة الثمن ولن تصل لكل المشتركين بل هي موجهة للمشتركين في
الاخبارفقط وممكن يتم أرسالها بالرقم 121الذي دائما يزعجنا برسائل تجارية تسويقية وضروري تكثفومن الحملة خلال هذة الفترة بشكل مكثف وعبركل شركات الاتصالات
وللاسف أرسلوها مرة واحدة ولم تعمم للكل بل بعض المشتركين .
أنظرومعي أعزائي القراء أصبح المواطن مصدرا للجباية فقط ويستخسروفية 5أو10رسائل توعوية أنها مأساة مايحصل اليوم هونتيجة للظلم وتحقيرالمواطن والممارسات الغيرقانونية والاستعلاء والتفرقة ويجب أعادة النظروتطبيق النظام والقانون الذي هومرفوع في الرفوف أوفي سلة المهملات
الأربعاء، 4 نوفمبر 2009
دراسة مخرجات التعليم الجامعي وعلاقتة بسوق العمل أعدها ونفذها المركزاليمني للدراسات الاجتماعية
أستعرض الدراسة الاستاذ/عبدالله العلفي في فعالية مركزمنارات وكانت كالتالي:-
تحقيقاً للأهداف الإستراتيجية للمركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل ولسياساته واتجاهات عمله والتي تتجسد من خلال تنفيذ الأنشطة العلمية المتنوعة والمتمثلة في إنجاز العديد من الدراسات والأبحاث والمسوحات الاجتماعية لصياغة السياسات الاجتماعية وتحليل مضمونها لمعرفة التغيرات والآثار التي تنتج عنها وللمساهمة في صنع سياسات رعائية وتنموية جديدة وتحديد القضايا التي ينبغي الاهتمام بها كأولويات وللوصول إلى سياسات اجتماعية أكثر واقعية قابلة للقياس الكمي والكيفي وأكثر استجابة لمتغيرات أكثر واقعية لتتماشى مع متطلبات السياسات الاجتماعية التي تفرضها سياسات وتوجهات الحكومة والخطط والبرامج وللتوصل إلى بعض المؤشرات والحقائق التي تفيد في وضع السياسات الحالية والمستقبلية المستندة إلى تلك المعطيات والمعلومات والبيانات التي تعكسها نتائج هذه الدراسات.
ومن هنا أتجه المركز إلى إصدار دراساته وأبحاثه لتلك الأسباب ولنشر الوعي والمعرفة بهذه القضايا وللإسهام في رسم السياسات والالتزام بتطبيق نتائجها وتضمينها في السياسات التنموية بعامة وسياسات التنمية الاجتماعية بخاصة .
وفي الأخير لا يسعني إلاََّ أن أقدم الشكر لقيادة المركز اليمني للدراسات الاجتماعية ولكل من ساهم في إنجاز هذه الدراسة، ونتمنى أن تستمر وتتواصل هذه الجهود بنفس الاهتمام لتقديم المزيد من الدراسات الملبية للاحتياجات التي من شأنها تطوير وتحسين السياسات الاجتماعية.
مقـدمـــة:-
في الوقت الذي ينظر فيه إلى مخرجات التعليم الجامعي على انه الأساس الذي يمكن الوصول من خلاله إلى سوق العمل ،وانه الحل السحري لمشكلات البطالة ومع التوسع في تطوير بنية هذا النظام ومع التوجه الذي تسعى إليه الحكومة لتيسير التعليم .
ومن هذه المنطلق فإن هذه الدراسة تمثل محاولة لاستقراء واقع مخرجات التعليم الجامعي لمعرفة مدى قدرته على تلبية احتياجات سوق العمل ولإستكشاف مدى مساهمة هذه المخرجات في تحقيق عمليات التنمية الشاملة.
وكما يدل عنوان هذه الدراسة فإنها مدخل لدراسة تقويمية للنظام التعليمي الأكاديمي تقوم على التفكير والمراجعة الشاملة واستجلاء خصائص وسمات وبنية هذا النظام.
إن هذه الدراسة لها أبعاد ودلالات اقتصادية واجتماعية وتنموية يمكن استخلاصها من خلال تحليل وتشخيص مخرجات التعليم الجامعي ومدى علاقته بسوق العمل والتنمية.
كما أنها تتجه لمعرفة الإشكاليات والتحديات التي تجابه مخرجات التعليم الجامعي.
وفي هدى من الإطار العام تمضى الدراسة لتقدم رؤية تطويرية لتحسين بنية هذا النظام وضبط مساراته بصفة مستمرة.
كما تقدم هذه الدراسة صورة واضحة حول التقدم الذي أحرز في نظام التعليم الجامعي من خلال القراءة الفاحصة لمخرجاته التي أوضحتها المعطيات والمؤشرات، ويوضح في الوقت ذاته التوجهات العلمية المطلوبة، وهذا كله ينطلق من ضرورة أن مخرجات التعليم الجامعي ينبغي أن يوجه نحو حاجات سوق العمل مع الأخذ في الحسبان الظروف الواقعية التي يمر بها النظام التعليمي والحاجة إلى تحسين آليته وفقاً للسياسة العامة للدولة وإستراتيجية التعليم العالي لتكون هذه المخرجات التعليمية منطلقاً لجهود التنمية ووسيلة لقياس نتائجها بعيداً عن التبريرات والاجتهادات التي تعج بها أدبيات التنمية حول مخرجات هذا النظام وإشكالية علاقته بسوق العمل وتحقيقاً لمفهومها الشمولي ألا وهي إشباع الحاجات الأساسية لأفراد المجتمع لمجابهة البطالة على المدى المنظور . وفي نفس الوقت تكون موجهة نحو تنمية قوة العمل بما يكفل لخريجي الجامعات ضمان حقهم في الوصول إلى العمل الكريم واللائق وتحسين نوعية حياتهم بالاتجاه نحو تحويل مخرجات النظام التعليمي إلى الاستفادة القصوى من عائدات التعليم لإيجاد قاعدة اجتماعية عريضة مستفيدة من مخرجات هذا النظام بما يتناسب والطموحات التنموية ضمن إطار حق الشباب الخريجين في العيش في مجتمع آمن تتحقق له إمكانية الاستفادة من طاقاته الإبداعية وتمكينه من تنمية قدراته.
أ.فاطمة مشهور أحمد
القائم بأعمال مدير المركز
مدخــل:
يلعب التعليم الجامعي دوراً حاسماً ومهماً في نهضة المجتمع وتقدمه، ولكن واقع الحال يشير إلى أن التعليم الجامعي في اليمن تراجع عن أن يقوم بهذا الدور وذلك لنوعيته وطبيعة انتشاره كما لا يمكنه الإسهام في تقدم المعرفة وتوظيفها خدمة للتنمية، بل أن الاستمرار في واقعه الراهن دون إصلاحه يكرس تردي وتدهور نوعيته.
إن إخفاق التعليم الجامعي في خلق طلاب وإعداد خرجي ( مخرجات ) إعداداً علمياً يزودون به للإنتاج المتقن والمبدع والذي يوفر الكم المنشود والجودة النافعة للاستهلاك المحلي وللمنافسة وبخاصة في زحمة التنافس المحلي والإقليمي والعالمي، هو الخطر وهو تحدي علمي وتنموي للتعليم الجامعي.
أن تدني التحصيل المعرفي وضعف القدرات التحليلية والابتكاريه" واطراد التدهور فيها هي السمة الغالبة للتعليم الجامعي في اليمن.
إن مفهوم الجامعة يتحول من التميز بالعملية التعليمية إلى القدرة على دفع مصروفاتها المرتفعة والتي تقترن بتدني التحصيل العلمي ويُعزى البعض ذلك إلى ازدياد عدد الملتحقين بالجامعات دون زيادة في المخصصات المالية ( معلوم أن الجامعات ومؤسسات التعليم العالي فقيرة للإمكانات المادية) ، ولكن الشيء المؤكد أن مؤسسات التعليم العالي( الجامعات ) والمجتمع دفعوا ثمناً باهظاً لسياسة الدولة التي توسعت في التعليم الجامعي دون تخطيط مسبق سليم وعلمي ودون توفير الحد الأدنى من الإمكانيات المادية والبشرية، كما أن الالتحاق بكثرة بالكليات النظرية كونها أقل تكلفة وأسهل من الكليات التطبيقية... وهناك عوامل كثيرة لعبت دوراً في تدني التحصيل العلمي وإفساد المناخ الأكاديمي للجامعات ليس هنا مجال الخوض فيها، لكن المهم أن وجود مؤسسات للتعليم – سابقاً كانت المشكلة غيابها – ضخمة الحجم ولكنها متدنية الكفاءة قليلة الإنتاجية المعرفية، وضعيفة العائد الاجتماعي.( )
إن هذه المشكلة أعقد من غياب المؤسسات، فأي تقدم علمي وتقني يرتكز أساساً على قاعدة منبثقة من التعليم والبحث العلمي والتطور من جانب الطلبة والعلماء والباحثين في مختلف الاختصاصات، فقد بدأت العديد من المجتمعات المتقدمة على رغم إنجازاتها العلمية الضخمة إلى إعادة النظر في أنظمتها التعليمية وأنظمة البحث العلمي لديها، بعد أن وجدت أن هذه الأنظمة التعليمية يمكن أن تكون عائقاً أمام التطور التقدم العلمي الهائل الذي حققته.
إن فتح الباب وإطلاق العنان أمام السوق وإسقاط الامتيازات المجتمعية ( خاصة الاقتصادية ) اقتص ثمناً باهظاً من الناس مقابل العبث بالتعليم العالي، فأصبحت البطالة مرتفعة لرفض سوق العمل مخرجات التعليم الجامعي، فلم يعد مستغرباً انتشار البطالة بين الأطباء والمهندسين، وتدهورت القيمة الاجتماعية للتعليم بسب ذلك، وظهرت قيم مجتمعية تحترم ( الغني ) بغض النظر عن مصدر ثروته بدلاً من( احترام التعليم )، كما أن البطالة الجزئية والمقنعة تعد أخطر مشكلات تشغيل خريجي التعليم الجامعي، وهذا يعني وجود خلل جوهري بين احتياجات المجتمع من العمل ( سوق العمل ) وبين مخرجات التعليم الجامعي، بسبب نسق وطبيعة التعليم الجامعي وواقعه، وضعف السياسات العامة، بالإضافة إلى غياب العلاقة بين مؤسسات التعليم الجامعي والدولة والقطاع الخاص، هذه العلاقة التي تمكن مؤسسات التعليم الجامعي من الإسهام بشكل قوي في تفعيل عملية التنمية في البلد.
كل ذلك يؤكد على غياب العلاقة بين التعليم الجامعي وحاجات التنمية وسوق العمل وانهيار نظام التخطيط الذي كان ضعيفاً في الأساس، مع بقاء مؤسساته دون إصلاحها، كما أن أسواق العمل لم تتطور كأسواق تنافسية، بل أنها تعاني من تشوهات كثيرة ولا يمكن الاعتماد عليها في إيجاد فرص العمل أو خلق نوع من التواؤم بين نظام التعليم الجامعي والعمل بكفاءة.
موضوع الدراسة :
تقوم هذه الدراسة الميدانية ببحث ودراسة واقع وطبيعة التعليم الجامعي من ناحية وواقع وطبيعة سوق العمل من ناحية ثانية وعلاقة مخرجات الجامعة بتلبية احتياجات سوق العمل من جهة واتساع البطالة بين الخريجين من جهة ثانية .
أهمية الدراسة :
تكتسب هذه الدراسة أهمية خاصة كونها من الدراسات القليلة التي تمت حول هذا الموضوع، ولا يمكن الحديث عن دراسات سابقة حول هذه الإشكالية ولكن يمكن التنويه إلى بعض الدراسات النظرية التي اهتمت بجزئيات فقط من هذا الموضوع، مثل المناهج التي تُعنى بها الهيئة التدريسية أو البحث العلمي وغيرها ولم تشمل موضوع هذه الدراسة كما ينبغي الإشارة إلى أن هناك مجموعة من المسوحات التي قامت بها جهات رسمية تم فيها الإشارة إلى طبيعة سوق العمل في اليمن، مثل نتائج مسح طلب القوى العاملة، والنتائج النهائية للتعداد العام للمساكن والسكان ومؤشرات المجلس الأعلى للتعليم حول مؤشرات التعليم والإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي الصادر عن وزارة التعليم العالي 2005م.
وعليه فقد ارتئى المركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل أن يوجه عنايته لدراسة هذا القضية الحيوية والهامة لإسناد متخذي القرار في المؤسسات الجامعية الحكومية والخاصة والجهات ذات العلاقة في اتخاذ السياسات اللازمة لتطوير وتحديث مدخلات ومخرجات نظام التعليم الجامعي بالشكل الذي يؤدي إلى تلبية احتياجات سوق العمل من الموارد البشرية المؤهلة .
أهداف الدراسة:-
هدفت الدراسة إلى تحقيق التالي:-
1. دراسة السياسات العامة للدولة فيما يتعلق بالتعليم الجامعي وعلاقة ذلك باحتياجات التنمية وسوق العمل.
2. دراسة سياسة القبول بالمؤسسات التعليمية الجامعية وقدرتها على تلبية احتياجات سوق العمل.
3. دراسة النظام التعليمي في الجامعات و مدى تلبيته لإحتياجات التنمية و سوق العمل.
4. التعرف على الإشكاليات والتحديات التي تواجه مخرجات التعليم الجامعي.
5. تقديم رؤية لتطوير مخرجات التعليم الجامعي بما يلبي احتياجات سوق العمل ومتطلبات التنمية الشاملة.
الحدود المكانية للدراسة :-
ركزت الدراسة مجالات عملها في محافظات (الأمانة، تعز، عدن، حضرموت) وعلى مواقع محدودة هي :-
- مؤسسات التعليم الجامعي الرسمي.
- مؤسسات التعليم الجامعي غير الحكومي .
- منشآت القطاع الحكومي والخاص .
المجال الزمني:- غطي المجال الزمني للدراسة الخمس السنوات السابقة أي من عام 2002-2007م.
الأدوات المستخدمة :-
للحصول على البيانات والمعلومات الكمية والكيفية اللازمة لهذه الدراسة التي تم الاستعانة بها في هذه الدراسة تمثلت باستخدام الأدوات التالية :-
o استمارة موجة لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات المستهدفة.
o استمارة موجة لطلاب مستوى رابع .
o استمارة موجة لمنشآت القطاع الحكومي والخاص.
o دليل مقابلة لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات.
o دليل مقابلة لبعض قيادات من المؤسسات الحكومية المعنية بالتعليم والتخطيط والتنمية.
منهج الدراسـة:- اتبعت الدراسة المنهج التحليلي- الوصفي
عينـة الدراسـة:-
بناء على أهداف الدراسة فقد تم تحديـد عينـة الدراسـة باختيار (4) جامعات حكومية و(3) جامعات خاصة، وقد أُخذ بعين الاعتبار في اختيارها الآتي:-
1- أقدميه النشأة.
2- الكثافة الطلابية.
3- التركز السكاني والمميزات الاقتصادية.
جدول رقم (1) يبين الجامعات المستهدفة
م أسم الجامعـة نوعها
1 جامعة صنعاء. حكومي
2 جامعة عدن. حكومي
3 جامعة تعز. حكومي
4 جامعة حضرموت. حكومي
5 جامعة العلوم والتكنولوجيا. خاص
6 الجامعة اليمنية. خاص
7 جامعة الملكة أروى. خاص
كما تم تحديد حجم العينة والفئات المستهدفة لتلبي أهداف الدراسة وتوفر البيانات والمعلومات المرغوب فيها والتي ستساعد على معرفة خصائص المشكلة, حيث تم تصميم ثلاثة استبيانات ثلاث فئات مستهدفة وهي: استبيان أعضاء هيئة التدريس, استبيان موجهة لطلاب المستوى الرابع، والاستبيان الثالث يغطي المنشآت (القطاع العام والخاص)، بالإضافة إلى دليلي مقابلة الأول موجهة لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات، والثاني لقيادات المؤسسات الحكومية الأخرى المعنية بالتعليم والتخطيط والتنمية، وقد تم تحديد حجم عينة كل فئة بالشكل الذي يقدم مؤشرات منطقية تعكس الواقع وبحسب الإمكانات المتاحة. والجـداول التاليـة توضـح ذلك:-
جدول رقم (2) يبين حجم العينة المستهدفة لأعضاء هيئة التدريس
م الجامعــة أعضاء هيئة التدريس اليمنيين (أستاذ فما فوق)* حجم العينة المختارة النسبة
1 جامعة صنعاء. 1124 56 5%
2 جامعة عدن. 779 39 5%
3 جامعة تعز. 159 10 6%
4 جامعة حضرموت 212 13 6%
5 جامعة العلوم والتكنولوجيا. - - -
6 الجامعة اليمنية. - - -
7 جامعة الملكة أروى. - - -
الإجمالـي 2062
105 5.1%
* المصدر: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تقرير الإنجاز السنوي لعام 2006م، ص21.
إن العينة المختارة من أعضاء هيئة التدريس اليمنيين في الجامعات الحكومية ممن هم
(أستاذ فما فوق) ، تم اختيارهم بطريقة عشوائية من مختلف الكليات والأقسام في كل جامعة على حدة، كما روعي تنوعهم أي ممن يعملون في التخصصات الإنسانية والتخصصات التطبيقية. وفيما يخص الجامعات الخاصة فأغلب أعضاء هيئة التدريس في هذه الجامعات هم في الأصل أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية، وحيث أنه لا توجد بيانات عن أعدادهم ستؤخذ عينة عشوائية منهم وفقاً للبيانات الميدانية، وبما يتناسب وأعدادهم في كل جامعة .
جدول رقم (3) يبين حجم العينة من طلاب المستوى الرابع
المتوقع تخرجهم في 2007/2008 من الجامعات المستهدفة
م الجامعــة أعداد المقبولين 2004/ 2005 * حجم العينة المختارة النسبة
1 جامعة صنعاء. 19529 195 1%
2 جامعة عدن. 5827 87 1.5%
3 جامعة تعز. 5234 79 1.5%
4 جامعة حضرموت 2174 65 3%
5 جامعة العلوم والتكنولوجيا. 1934 58 3%
6 الجامعة اليمنية. 1152 35 3%
7 جامعة الملكة أروى. 649 20 3%
الإجمالـي 36499
539
1.5%
* المصدر: المجلس الأعلى لتخطيط التعليم، مؤشرات التعليم في الجمهورية اليمنية، أغسطس 2006، ص 138، 217، 218.
إن حجم العينة المختارة من طلاب المستوى الرابع المتوقع تخرجهم في العام الجامعي2007-2008م ، تم اختيارهم بنسب متفاوتة وبناءً على الكثافة الطلابية في كل جامعة، حيث تم اختيار عينة عشوائية منهم (ذكور/إناث) من مختلف الكليات والأقسام، والتخصصات، سواء التخصصات الإنسانية أو التطبيقية.
جدول رقم (4) يبين حجم العينة المختارة للمنشآت حسب المحافظة
م المحافظـة حجم العينة المختارة للمنشآت إجمالي
عام خاص
1 الأمــانــة 10 15 25
2 عـدن 10 15 25
3 تعــز 10 15 25
4 حضرموت 10 15 25
الإجمالـي 40 60 100
وبما أن الدارسة ركزت على معرفة مدى الكفاءة الخارجية النوعية للمتخرجين من التعليم الجامعي من وجهة نظر أرباب العمل، بالإضافة إلى معرفة الأسباب الرئيسية في وجود الفجوة بين مخرجات التعليم الجامعي وسوق العمل، تم اختيار عينة قصديه كما يبينها الجدول رقم (4) وذلك من المنشآت الخدمية والإنتاجية في القطاعات المختلفة (عام، خاص).
كما أن الدراسة سعت إلى معرفة السياسات التي تتبعها المؤسسات الجامعية ومدى وملامتها لإحتياجات السوق والتنمية الشاملة، وهل يعتمد التخطيط الجامعي على المعلومات التي تتعلق بالتطورات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، ومدى وجود رؤية تطويرية لدى قيادات هذه المؤسسات لإحداث التحول الاستراتيجي المطلوب في بنية النظام التعليمي الجامعي وبما يخدم تحقيق التوجهات الإستراتيجية للدولة، حيث تم تصميم دليل مقابلة موجه لرؤساء الجامعات وعمداء الكليات في الجامعات التي استهدفتها الدراسة، ودليل أخر موجه لقيادات المؤسسات الحكومية المعنية بالتخطيط والتنمية، كوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، المجلس الأعلى لتخطيط التعليم، وزارة الخدمة المدنية، وزارة المالية.
الإطار النظري للدراسة
أولاً : واقع التعليم الجامعي في اليمن *:
تعتبر الجامعات اليمنية جامعات ناشئة وشابة، إذ أن أقدم جامعتين في اليمن( جامعة صنعاء ، وجامعة عدن ) أسستا في عام 1970م، ولا يزيد عمرها عن (38) عام ، ثم شهدت العقود التي تلي نمواً ملحوظاً في تأسيس الجامعات الحكومية، حيث وصل عددها الآن إلى ثمان جامعات حكومية هي ( جامعة تعز، إب ، الحديدة حضرموت ، ذمار ، عمران ) بالإضافة إلى تأسيس العديد من الجامعات الخاصة منذ بداية 1991م ( كجامعة الإيمان، والعلوم والتكنولوجيا ) والذي بلغ عددها حالياً أكثر من (15) جامعة أهلية، أغلبها في مدينة صنعاء( عدا جامعة الأحقاف بحضرموت ، والجامعة الوطنية في تعز ).
ويوجد تفاوت وتباين كبير بين الجامعات الحكومية فيما بينها أو الجامعات الخاصة أو بين الجامعات الحكومية والأهلية، من حيث عدد الطلاب والتخصصات والاهتمامات العلمية والهيئة التدريسية والبنية التحتية والقاعات والمكتبات والمعامل... الخ.
تضع كل هذه الجامعات ( الحكومية والأهلية ) كمؤسسات للتعليم العالي من بين أهدافها إعداد القوى البشرية المؤهلة في مختلف الميادين العلمية ونشر القيم الثقافية والاهتمام بالبحث العلمي والإسهام في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتلبية حاجات سوق العمل من المتخصصين والخبراء... وغير ذلك من المهام، وهنا يبرز التساؤل الواقعي، إلى أي مدى يستجيب التعليم الجامعي في اليمن بشقيه الحكومي والأهلي لحاجات التنمية ومتطلبات سوق العمل؟؟ وما هي السياسات التي تتبع في هذه المؤسسات أو السياسات الحكومية الرسمية تحديداً لتحقيق هذه الأهداف؟
وحتى نجيب على ذلك يجب العودة لتقييم واقع التعليم الجامعي في مسار نشأته وتطوره وخدمته للمجتمع، وجودته وعلاقة ذلك بمخرجات التعليم وتلبيتها لقضايا التنمية واحتياجات السوق.
مما لا شك فيه أن التعليم الجامعي في اليمن حقق إنجازات كبيرة كمية وكيفية، وأسهمت مخرجاته في بناء الدولة اليمنية من خلال تدريب وتدريس العديد من القوى البشرية من مختلف التخصصات العلمية في مجالات الحياة المختلفة في المجتمع اليمني وحل الكادر اليمني محل الكادر أو الموظف الأجنبي كما لعب التعليم الجامعي دوراً مهماً في نشر الوعي والثقافة في المجتمع اليمني، وتوسع مدارك وآفاق المواطن اليمني وتحقيق الفرص للجميع للحصول على التعليم العالي. ولا يزال التعليم الجامعي بتخصصاته المختلفة التطبيقية والإنسانية يمثل ضرورة لبناء مجتمع المعرفة وبناء الدولة اليمنية الحديثة وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ورغم كل الإنجازات التي حققها التعليم الجامعي إلا أنه يواجه العديد من التحديات ولا يزال يعاني من القصور وقد عبر عن ذلك أحد خبراء التعليم العالي العربي محدداً مشكلة التعليم قائلاً " إن النمو الكمي الكبير الذي تحقق لم يواكبه تطوير نوعي، كما أن محاولات الإصلاح التربوي الكثيرة التي شهدها التعليم العالي العربي قد غلب عليها التفكير التقليدي وطغى عليها طابع النقل والاستعارة من النماذج الأجنبية، ولم تتصف بطابع التجديد والابتكار الملاءمة لحاجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البيئة العربية المعاصرة ".( )
إن أهم ما يواجه التعليم الجامعي في اليمن هي قلة جودته وضعف كفاءته وعلى وجه الخصوص نوعية المخرجات الجامعية ومدى تطابق تدريب وإعداد الطلاب الجامعيين الخريجين مع حاجات التنمية الاجتماعية الاقتصادية ومتطلبات سوق العمل وقدرته على استيعابهم. إضافة إلى تأثر سياسات القبول للتعليم الجامعي بالضغوط الاجتماعية الكثيرة نتيجة للطلب الاجتماعي المتزايد على الدراسة الجامعية للحصول على الشهادة الجامعية دون النظر إلى الجدوى من هذه الدراسة، وغياب فلسفة ورؤية واضحة للجهات الحكومية المعنية أو القطاعات الخاصة عن حاجاتها من القوى العاملة وغياب الخطط والتصورات،مما ترتب على ذلك وجود فائض وخصوصاً في بعض التخصصات الإنسانية، الأمر الذي أدى إلى تزايد البطالة ( المقنعة أو المسافرة ) في أوساط الخريجين، ونقص في احتياجات علمية أخرى تلبي حاجه السوق والتنمية، كما أن البحث العلمي من أهم وظائف التعليم الجامعي ولكن الملاحظ بأن العلاقة بين البحث العلمي واحتياجات التنمية لا تزال واهية وضعيفة، فمعظم مشروعات وبرامج التنمية في اليمن تعتمد على ما يتم إنجازه من الخارج بواسطة ( بيوت الخبرة ) ( أو الشركات العالمية المتخصصة )*. وهذا الشكل من التعامل بين البحث العلمي وقضايا التنمية في اليمن وضعف إشراك الجامعات ومراكزها البحثية ( إن وجدت ) في مشروعات التنمية هو الذي أدى إلى ضعف النشاطات الإيداعية المحلية وأثر على طبيعة وواقع التعليم الجامعي ونموه وتطوره.
1- التحديات التي تواجه التعليم الجامعي:-
يواجه التعليم الجامعي الحكومي، والأهلي في اليمن تحديات كثيرة تؤثر على طبيعته ودوره وكفاءته ومنها:-
1-1 التحديات الاجتماعية:
نتيجة للنمو السكاني السريع في اليمن حيث بلغ معدل النمو السكاني ( 3.5%) واتساع شريحة العمر ( 18-23) سنة وزيادة إقبال المرأة على التعليم الذي يمكنها من ممارسة الأعمال المختلفة وارتفاع مستوى المعيشة والاحتياجات الاقتصادية وتطلع الشباب إلى التعليم واعتبار الدراسة الجامعية قيمة في حد ذاتها بغض النظر عن جدوى هذه الدراسة أو الشهادة الجامعية، لتحقيق مستويات أفضل اقتصادياً واجتماعياً. كل ذلك أدى إلى زيادة الطلب الاجتماعي على التعليم الجامعي ومؤسساته التي وقفت عاجزة أمام هذا التحدي، التي عملت على وضع معايير لسياسة القبول في الجامعات لوقف الزحف الكبير لمخرجات التعليم الثانوي حيث اضطرت إلى استيعاب أعداد كبيرة من الطلبة وفي التخصصات النظرية على وجه الخصوص تفوق الإمكانات المتاحة، مما أثر ذلك على الناحية الكيفية والجودة والكفاءة، بل أن التعليم الجامعي تطور في اتجاهات هي أقرب إلى رغبات الدارسين بتوجهاتهم الاجتماعية وموروثاتهم الاجتماعية والثقافية أكثر منها حاجة التنمية والمتطلبات الاقتصادية . في ظل غياب لتخطيط الاستراتيجي التعليم الجامعي وفلسفته.
هذه الخطوات غير عملية وعلمية في التخطيط للتعليم الجامعي وفلسفته، وعلى الرغم من التوسع الكمي الكبير فإن نسبة الطلاب الجامعيين إلى عدد السكان من الشريحة العمرية المناظرة لا تزال قليلة جداً، وما لم تضع الدولة سياسات واضحة للقبول في الجامعات وربطها باحتياجات التنمية وسوق العمل فستظل الجامعات تخرج أعداد كبيرة من الطلبة لا عمل لهم، بل أنها تخلق جيشاً متضخماً من البطالة المقنعة والمستترة، بالإضافة إلى ما سبق، نجد تركز التعليم الجامعي الحكومي والخاص في العاصمة والمدن الكبرى، مما يضعف إسهامه في تنمية بقية المناطق والريف خصوصاً، ويقلل من تكافؤ الفرص، وفي الفترة الأخيرة نجد أن الدولة عمدت إلى إنشاء كليات في المدن الصغيرة والأرياف ولكنها ( كليات تربية ) ولها نفس التخصصات، أو إنشاء جامعات جديدة بدون دراسة وتخطيط مسبق
(( توسع متسرع في إنشاء الجامعات الجديدة دون دراسة علمية )) وهو ما يهدد التعليم الجامعي ونوعيته وطبيعة مخرجاته بمعنى أن هذه الجامعات تنِشأ على عجل دون أن تتوفر لها الإمكانات اللازمة.
2-1 التحديات الاقتصادية :
يواجه التعليم الجامعي وخصوصاً الحكومي منه، أزمات مالية واقتصادية بسبب تزايد الحاجة للإنفاق على مؤسساته التعليمية وتمويل مؤسساته المختلفة وزيادة أعداد الطلاب وتقليص الموازنة السنوية المخصصة للجامعات وندرة الموارد المالية المخصصة لها ( رغم فتح باب التعليم الموازي ونظام النفقة الخاصة والتعليم عن بُعد ).. وهذا ما أثر على الوظائف التدريسية ولم يعد قادراً على تخريج نوعية جيدة من الطلبة وغياب مساهمته في البحث العلمي وخدمة المجتمع، ولهذا فإن البحوث والدراسات في مجال اقتصاديات التعليم الجامعي تؤكد على ضرورة إعادة النظر في الممارسات والأفكار التي تحكم هذا النوع من التعليم والوصول إلى المعالجات والحلول التي تتطلب الخروج من الأنماط التقليدية التي تحكم تخطيط وتسيير التعليم الجامعي، وقد يتطلب ذلك أيضاً إعادة هيكلة التعليم الجامعي بكامله وابتكار أنواع جديدة منه.
3-1 تحديات التخطيط والسياسات:
- إن أهم تحديات التخطيط والسياسات التي يواجهها التعليم الجامعي في اليمن تتمثل في مدى ملائمة وطبيعة علاقة تخطيط التعليم الجامعي بالتخطيط الاقتصادي، أي ربط مخرجات التعليم الجامعي بحاجة التنمية وسوق العمل. فغياب سياسات تربط مخرجات التعليم الجامعي بحاجة التنمية الاقتصادية الاجتماعية يمثل أهم تحدي.
ويتمثل غياب التخطيط غالباً بغياب رؤية فلسفية موحدة حول دور الجامعة ووظيفتها، فالمخطط للتعليم الجامعي- وهو محق – يري أن التعليم الجامعي مشروع حضاري شامل يعد الإنسان من جميع جوانب الحياة السلوكية والمهنية والحضارية، بينما تضيق أحياناً رؤية المخطط الاقتصادي بالنسبة لوظيفة التعليم الجامعي لجعلها قاصرة فقط على استيعاب المخرجات ضمن حسابات تخصصية معينة تخدم السوق واقتصاده كمشروع استثماري واقتصادي لذلك تتمثل أهم الصعوبات في :-
- وجود فجوات في الإحصاءات والمعلومات كالاحتياج للقوى العاملة بحسب المهن والتخصصات والنشاطات الاقتصادية ، وذلك لقلة التشريعات التي تنظم العلاقة بين الخطط الاقتصادية والخطط التعليمية وهذا الغياب يؤدي إلى خلل في هيكل التخصصات العلمية في التعليم الجامعي، من حيث إعداد القبول والتخصصات بالإضافة إلى أن قلة الإمكانات في الجامعات وضعف قدرتها الاستيعابية يمثل عائقاً أساسياً في العملية التعليمية.
4-1 تحديات العولمة وتكنولوجيا المعلومات:-
- يقف العالم اليوم أمام عصر جديد عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والعولمة بإنجازاته العلمية المتطورة والمتقدمة. منذ أعوام قليلة بدأ التيقن بأن العولمة أصبحت قضية محورية في مجتمع التعليم المعاصر وأنها ستفرض على مؤسسات التعليم العالي والجامعات بخاصة تحديات ضخمة ومتنوعة ( )، وبالتالي يجب على الجامعات اليمنية أن تخطط وتهيئ مؤسساتها لهذا العصر من خلال إعادة النظر في مؤسسات التعليم والبحث العلمي، وعند تقييم واقع الجامعات اليمنية، نجد أنها لا تمتلك القدر المطلوب من المباني والأجهزة والتقنيات، كما أن بعضها لا يتوفر لديها الحد الأدنى من ذلك ، كما أن ضعف وتدني مستوى مناهجها وفلسفتها لا يؤهلها حالياً للمنافسة فيما إذا أرادت أن تنافس في ظل المتغيرات الحديثة في القرن الحادي والعشرين.
- أمام هذه التحديات ما هي واجبات المسئولين في التعليم الجامعي في اليمن من أجل رسم السياسات التي تؤدي لملاءمة الأنظمة التعليمية في الجامعات للظروف الاجتماعية والاقتصادية في بلادنا، والمسايرة للتطورات العالمية في عصر تقنية المعلومات والعولمة من أجل خلق مخرجات تتناسب وهذه الظروف الحياتية الجديدة وتشارك في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتزود سوق العمل بأيادي عاملة ومتخصصة ماهرة، وتعمل على خلق مجتمع المعرفة.
- إن رسم خطط واستراتيجيات جديدة للتعليم الجامعي في اليمن تعتبر مهمة وطنية ينبغي أن يتبناها مخططي وقيادات التعليم الجامعي والمؤسسات المعنية في الدولة في إطار منهجية سليمة وواضحة وتفكير تجديدي وإصلاحي يقوم على حقيقة رئيسية وهي أن التعليم الجامعي في اليمن ينبغي أن يخرج من إطاره وبنيته التقليدية القائمة، وتساهم الحكومة والقطاع الخاص في ذلك تحت إشراف الدولة مباشرة، من أجل تحسين نوعية التعليم الجامعي ومخرجاته كأساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية وإعداد المواطن ذي المدارك الواسعة القادر على الإبداع، والتأكيد على مسئولية الدولة في دعم التعليم الجامعي وفتح فرص وخيارات القبول فيه حتى لا يتحول التعليم الجامعي إلى تعليم خاص للقادرين مالياً فقط وحرمان الأغلبية منه، وهو ما يتنافى مع مبدأ ديمقراطية التعليم والعدالة الاجتماعية ويؤدي بالتالي إلى آثار اجتماعية ومخاطر تهدد النسيج والأمن الاجتماعي واعتبار التعليم أداة للتنمية البشرية ورفع مستوى المعيشة لأبناء الوطن.
2- البنية المؤسسية للتعليم الجامعي في اليمن:
أنشئت وزارة للتعليم العالي والبحث العلمي في اليمن عام 1990م وأنيط بها مسئولية الإشراف على الجامعات والتنسيق معها، ثم عادت مرة أخرى عام 2001م بعد أن ألغيت عام 1994م لتتولى مجدداً الإشراف على الجامعات الحكومية والأهلية وبالنسبة للبنية المؤسسية للتعليم الجامعي في اليمن فيأتي المجلس الأعلى للجامعات في أعلى الهرم ويرأسه رئيس مجلس الوزراء ، ويضم في عضويته ثمانية وزراء آخرين، حيث يشغل وزير التعليم العالي نائب رئيس المجلس، بالإضافة إلى رؤساء الجامعات الحكومية وممثلاً عن الجامعات الخاصة، وممثلاً عن القطاع الخاص وثلاث شخصيات أكاديمية.
1-2 الجامعات الحكومية:
- لا تزال الجامعات اليمنية في مراحلها الأولى، كونها حديثة النشأة مقارنة ببقية الجامعات على المستوى العربي والعالمي وقياساً بالمعايير الدولية، ففي عام 1970م تم تأسيس جامعة صنعاء وعدن، ومنذ ذلك الوقت شهدت الجامعتين توسعاً بهدف تغطية احتياجات التنمية، وفي عقد التسعينات من القرن العشرين تم التوسع في إنشاء الجامعات الحكومية الإقليمية، حتى بلغ عددها ( 8 ) جامعات حكومية. [ انظر الملحق (1) جدول رقم (1) ].
- لقد مثلت نشأة الجامعات اليمنية الحكومية، على غرار الجامعات العربية كنسخ حي من مؤسساتها ونتيجة لكون الجامعات اليمنية حديثة النشأة ( حيث أن أغلبها أنشئت في النصف الثاني من عقد التسعينات القرن الماضي)، نتيجة لاحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن ولذا فإنها ستستغرق وقتاً لكي تترسخ بنيتها المؤسسية وتتطور ويتحسن دورها العلمي والمعرفي خاصة في مجال البحث العلمي وتخريج الكوادر النوعية عالية التأهيل التي تتناسب مع إحتياجات سوق العمل وتتماشى مع التطورات التقنية والتكنولوجيا المعاصرة.
- حققت اليمن توسعاً كبيراً في مؤسسات التعليم الجامعي من خلال عقد التسعينات القرن العشرين ، فالتعليم الجامعي في اليمن حديث العهد فقد كان عدد الجامعات حتى عام 1990م جامعتين فقط، تضمان ( 21) كلية، ثم بدأ النمو السريع في عدد المؤسسات على مدى عقد التسعينات( ).
تدار الجامعات الحكومية من خلال مجالس الجامعات ورؤساء الجامعات وثلاثة نواب وأقل لرئيس الجامعة وأمين عام الجامعة، ويوجد علاوة على ذلك ثلاثة مجالس لشؤون الطلاب والدراسات العليا والبحوث العلمية وشئون المكتبات. كما أن مجلس الجامعة يضمن في عضويته رئيس الجامعة ونوابه وثلاثة أساتذة متفرغين حيث يقوم بالإضافة إلى وظائفه الإدارية القيام بوضع السياسة العامة للجامعة مثل قبول الطلبة، المناهج، التعيينات الأكاديمية برامج الترقية وتحديد احتياجات الجامعة من المختبرات والمكتبات وإقرار الميزانية، فضلاً عن ذلك يحق للمجلس أن ينشئ كليات جديدة ووضع خطط التوسع وبرامج التعاون الفني والعلمي بين الجامعات، وذلك بعد العودة إلى وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات ومع أن تعيين رؤساء الجامعات يصدر بقرار جمهوري، إلا أن القانون يحدد الإجراءات التي بموجبها يقوم رئيس الجامعة بتأدية مهامه استناداً للقرار الجمهوري، كما تدار كل كلية بواسطة مجلس الكلية الذي يرأسه العميد، والمكون من نوابه ورؤساء الأقسام الأكاديمية، ويهتم هذا المجلس بوضع السياسة الداخلية للكلية وبما يتوافق مع السياسة العامة للجامعة، في مجالات المناهج وقبول الطلبة والإشراف على البرامج الأكاديمية وترشيح أعضاء هيئة التدريس الجدد والتنسيق في مجالات الأبحاث وبرامج الدراسات العليا.
إن صدور القانون الخاص بالجامعات هدف إلى أن تقوم كل جامعة باتخاذ الإجراءات المناسبة لإدارة الجامعة ضمن الهيكل التنظيمي لها، إلا أن الجامعات تفتقر إلى الشفافية في الأمور المالية والإدارية، وذلك بحكم طبيعة الإدارة غير القادرة والمنظمة في عملها وبيئة عمل غير محفزة وفي الواقع يساور الأكاديميين القلق من جراء تدهور الوضع الأكاديمي وما آلت إليه الجامعات من تهميش الأكاديميين، وتدني مستوى التعليم والإمكانيات الشحيحة والتعيينات غير القانونية والتجاوزات الكثيرة وشحة الموارد والمحاباة والفساد المالي والإداري بأوجه المختلفة وغير ذلك.
2-2 التعليم الجامعي الأهلي:
توسعت الجامعات الأهلية ابتدءاً من عام 1991م بتأسيس جامعة الإيمان وفي عام 1994م تم تأسيس جامعتين أهليتين هما ( جامعة العلوم والتكنولوجيا والجامعة اليمنية ) وفي عام 1995م تم تأسيس ثلاث من الجامعات الخاصة الجديدة هي ( جامعة سبأ والوطنية والتطبيقية ) وفي عام 1996م تم تأسيس ( جامعة أروى) وفي عام 2001 تم ( تأسيس جامعة الأندلس ثم جامعة المستقبل والأحقاف وجامعة العلوم التطبيقية، وجامعة المستقبل، وجامعة العلوم الحديثة ) وغيرها.
توجد بهذه الجامعات أكثر من (52) كلية، ويأتي إنشاء هذه الجامعات بعد تطبيق الحكومة اليمنية برنامج الإصلاح الاقتصادي (برامج التكيف الهيكلي) لتعزز التوجه نحو اقتصاد السوق كخيار استراتيجي للتنمية والتغيير الاجتماعي، حيث ظهرت قوى ضاغطة لأن يكون لبعض الجمعيات والقطاع الخاص ( رجال الأعمال ) وبعض الأفراد دورهم في إنشاء وتمويل إدارة مؤسسات التعليم العالي،لذلك تم إنشاء الجامعات الأهلية.
- ارتبطت مؤسسات التعليم الجامعي الأهلي بمصالح اجتماعية معينة، وتميزت بحافز الربح، وتتركز الجامعات الأهلية في العاصمة صنعاء، باستثناء جامعتين (الأحقاف بحضرموت والجامعة الوطنية بتعز ) ويعود ذلك إلى سوء التخطيط للتعليم الجامعي.
- تعتمد الجامعات الأهلية على الأكاديميين في الجامعات الحكومية في مجال التدريس والإدارة بل إن بعض الجامعات الأهلية أنشئت ومولت من قبل بعض الأساتذة العاملين في الجامعات الحكومية، وفي ظل غياب قانون ينظم التعليم الجامعي الأهلي إلى معايير وشروط إنشاء وتشغيل الجامعات الأهلية تظل نظم وتسيير نشاط الجامعات غير واضحة علماً بأن من يلتحق بالتعليم الجامعي الأهلي بشكل عام هم من أبناء اليمنيين المهاجرين، ومن أبناء الميسورين، ومن أبناء الجالية الوافدة من غير اليمنيين.
إن الجامعات اليمنية الأهلية، رغم قصر فترة تأسيسها التي لا تتجاوز العشر سنوات، إلا أنها كانت تمنح الدرجات العلمية مثل الماجستير والدبلوم والدكتوراه علماً بأن هذه البرامج تحتاج إلى موارد مالية وفنية وتجهيزات مختبريه وكادر تعليمي مميز( )
وهذا ما حدى بوزارة التعليم العالي إلى إغلاق هذه البرامج في الجامعات الأهلية في الفترة الأخيرة إن التوسع في إنشاء الجامعات الأهلية، يعزى إلى التحول في إستراتيجية التنمية وإلى ضيق الحكومات لتحمَّل أعباء ومسئوليات التعليم العالي ورغبتها في التخفيف منه، لتسفر في خلال أعوام قليلة إلى نمو غير مسبوق في عدد الجامعات الخاصة( )
لقد بدأت اليمن بالتوسع في تأمين خدمات التعليم الجامعي بإنشاء عدد من الجامعات الحكومية تحولت خلال النصف الثاني من التسعينات القرن الماضي إلى إنشاء جامعات أهلية، ففي غضون أعوام قليلة أصبح في اليمن أكثر من (15) جامعة أهلية. [ انظر الملحق (1) جدول رقم (2 ، 3) ].
3- سياسة القبول:
1-3 سياسة القبول في التعليم الجامعي الحكومي:
اعتمدت سياسة القبول في التعليم الجامعي الحكومي منذ نشأة جامعتي صنعاء وعدن، على سياسة الباب المفتوح، حيث يترك للطالب حرية اختيار الكلية التي يرغب الالتحاق بها ، وهذا يعني قبول توزيع الطلبة دون الرجوع إلى سياسات وخطط التنمية، ونتيجة لذلك ارتفع عدد الملتحقين بالكليات الإنسانية وانخفض عدد الملتحقين بالكليات التطبيقية، نظراً لشروط الالتحاق بالكليات التطبيقية وصعوبتها وشحة الإمكانات المادية لأغلب الطلبة، ومنذ عام 2001م بناءاً على قانون الجامعات رقم (18) لسنة 1995م الذي أسند للمجلس الأعلى للجامعات مهمة رسم سياسة القبول وتنسيق التعليم الجامعي والعمل على توجيهه بما يتفق وحاجة التنمية، وكذا رسم السياسة العامة للجامعات بما يحقق رفع مستوى التعليم بناءً على تلك السياسات التي نص عليها قانون الجامعات، حدد المجلس الأعلى للجامعات إجراءات القبول كالآتي:-
- الاعتماد على الطاقة الاستيعابية لكل جامعة.
- اشتراط القبول في الجامعات اليمنية الحكومية الحصول على نسبة ( 70% ) في امتحانات الثانوية العامة.
- اشترط القبول في كلية الطب والأسنان والصيدلة حصول الطالب على نسبة (85%) في الشهادة الثانوية، إضافة إلى اجتياز امتحانات القبول، وكذلك اشتراط القبول في بعض التخصصات لإمتحان القبول ( كاللغات مثلاً ).
ولكن القصور في هذه السياسات أنها لم تبنى على أساس مؤشرات لإحتياجات التنمية أو الالتزام بإحتياجات سوق العمل عند تحديد أعداد الطلبة المقبولين .
إن إجمالي عدد الطلبة بالكليات النظرية يفوق كثيراً عدد الطلبة بالكليات التطبيقية. [ انظر الملحق رقم (1) جدول رقم ( 4 ) يبين عدد الطلبة المقبولين للعام 2004-2005م( )
2-3 سياسية القبول في التعليم الجامعي الأهلي:
على الرغم من المبررات التي تم الاستناد إليها لإنشاء التعليم الجامعي الأهلي فإننا نلاحظ أن نسب القبول المطلوبة للالتحاق في الجامعات الأهلية سجلت نسباً متدنية مقارنة بالجامعات الحكومية، إلى جانب أن هذه الجامعات الأهلية تركز همها الرئيسي في قبول أكبر عدد ممكن من الطلبة في مختلف التخصصات بصرف النظر عن المعدل أو سنة الحصول على الشهادة ( الثانوية العامة )
أو مكانها. كل هذا يتم في غياب الدور الإشرافي للمجلس الأعلى للجامعات، وانعدام دوره الرقابي، نظراً لعدم وجود آلية لمراقبة عملية القبول وكيفية سير الدراسة في الجامعات الأهلية وفي السنوات الأخيرة نجد أن هناك نوعاً من الإشراف وتحديد لسياسة القبول في الجامعات الأهلية .
إن أعداد الطلبة المقبولين في الجامعات الأهلية ضئيل بالنسبة لعدد خريجي التعليم ما قبل الجامعي، ويعود ذلك إلى غياب أغلب التخصصات التطبيقية والتي تقتضي تجهيزات ومعامل وبنية تحتية مكلفة، حيث بلغت نسبة القبول في الجامعات الأهلية حوالي (15%) من إجمالي القبول في الجامعات الأهلية إلا أن سياسة القبول تعد مرنة مقارنة بالجامعات الحكومية. [ أنظر الملحق (1) جدول رقم ( 5 ) ].
4- تطور خريجي الجامعات :
1-4 الجامعات الحكومية :
تشير البيانات الخاصة بتطوير خريجي الجامعات تزايد أعداده فيما بين الأعوام 2000/2001م – 2001-2002م ثم بدأ في التناقص حتى وصل عدد الخريجين عام 2002/2003م على مستوى جامعات الجمهورية اليمنية (19440) طالب وطالبة تتوزع على الجامعات المختلفة بحيث تحوز جامعة صنعاء على أكبر عدد من الخريجين(6668) طالب تليها جامعة عدن (4452) طالب ثم جامعة تعز (3501) طالب .
وتوضح البيانات ارتفاع نسب خريجي الكليات الإنسانية بشكل واضح عن خريجي الكليات التطبيقية ، وأن هذه النسب في تزايد مستمر مما يثير التساؤل هل سوق العمل في حاجة لمثل هذا التزايد المستمر؟ وهل المشكلة تكمن في زيادة أعداد خريجي الكليات الإنسانية أم في نوعية المخرجات من هذه الجامعات كما يوضح الملحق (1) جدول (8، 9) أعداد الخريجين لعام 2004-2005م من حيث التخصصات الإنسانية والتخصصات التطبيقية في الجامعات الحكومية.
2-4 الجامعات الأهلية :
يمثل خريجي (جامعة العلوم والتكنولوجيا ) النسبة الأكبر من بين الجامعات الخاصة وبنسبة تصل إلى (38.2%) من إجمالي خريجي هذه الجامعات ، وأن نسبة الخريجين من التخصصات الإنسانية أكبر منها في التخصصات التطبيقية ، مما يدلل على أن التعليم الأهلي يكرر نفس الاختلالات التي يعاني منها التعليم الحكومي، بل أنه يمثل نسخة مطابقة للتعليم الجامعي الحكومي، [ انظر المحلق (1) جدول رقم ( 10) ، ( 11 ) ]
5- أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بالجامعات اليمنية :
تشكل هيئة التدريس ومساعدوهم العمود الفقري للحياة التعليمية بالجامعات ، كما ن قيمة أي جامعة مرهون بهيئة التدريس فيها وبكفاءتها العلمية التربوية الذي يؤدي إلى قدرتها على تدريس وتعليم و تدريب وإعداد مخرجات جامعية كفوءة ومدربة ومتخصصة تساهم في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتغطي الاحتياجات اللازمة لسوق العمل ، كما أن لهيئة التدريس دوراً مهماً في تحقيق وظائف الجامعة المتعددة.
منذ إنشاء جامعة ( صنعاء وعدن ) تم الاعتماد على هيئة تدريس من غير اليمنيين، لفترة لا بأس بها، إلى أن تم الإحلال للكادر الوطني بعد اعتماد سياسة تأهيل لهذا الكادر مع مرور الزمن، مما أدى إلى التناقص في عدد غير اليمنيين من عدد الهيئة التدريسية بالجامعات .
وعلى أية حال، فقد توسع ونمى عدد أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء وعدن والجامعات الإقليمية الحديثة التي تم إنشاءها ( تعز ، الحديدة ، حضرموت ، إب ، ذمار ، عمران ) وتزايدت أعدادهم بدرجة كبيرة بفضل تضافر عوامل عديدة منها، دعم الدولة والدول الصديقة والشقيقة، ودعم المنظمات الإقليمية والدولية ، وقد بلغ عدد هيئة التدريس ومساعدوهم في عام 2000/2001(3834) عضو هيئة تدريس ما بين معيد ومدرس وأستاذ مساعد وأستاذ مشارك وأستاذ ، ثم ارتفع هذا العدد إلى (4417) عضو هيئة التدريس ، كما بلغ عدد هيئة التدريس من الوافدين (811) عضو هيئة تدريس وهيئة تدريس مساعدة في العام 2002/2003م، والمؤكد أن الاعتماد على أعضاء هيئة تدريس من غير اليمنيين سوف يستمر خلال السنوات القادمة كنتيجة طبيعية للتوسع في عدد الجامعات الحكومية الإقليمية الملحق (1) جدول ( 12 ) يبين تزايد عدد أعضاء هيئة التدريس لعام( 2004-2005م) حيث بلغ عدد أعضاء هيئة التدريس ( 5160) عضواً.
إن التوسع في عملية الالتحاق بالتعليم الجامعي لم يقابل بتطوير وتحسين نوعية التعليم ومستواها، فمن خلال البيانات، تبين أن تزايد عدد أعضاء هيئة التدريس المؤهلين، وتدني مستوى التعليم والمقررات والمناهج وغياب الكتب والمراجع وضعف المكتبات والمعدات والتجهيزات والمعامل ...الخ ، كما يلاحظ بأن العدد الكلي لأعضاء هيئة التدريس وهيئة التدريس المساعدة قد تزايد في الجامعات اليمنية بنسبة (15.2%) بين عام ( 2000و 2003 )، كما ارتفعت نسبة أعضاء هيئة التدريس من الإناث من ( 13.65%) عام 2000 إلى ( 15.85%) عام 2003م إلا أن الزيادة في عدد الطلبة الملتحقين كانت أكبر، حيث تقدر الزيادة للطلبة الملتحقين بحوالي( 2.7%) ، نتيجة لذلك فإن متوسط نسبة الطلبة إلى هيئة التدريس في الجامعات الحكومية قد أنخفض من (44.7%) بعام 2000 إلى( 40.8%) عام 2003م، ولكن هذه النسبة تتفاوت من جامعة حكومية إلى أخرى فنجد أن نسبة الطلبة إلى عضو هيئة التدريس في جامعة تعز (97) طالب، بينما هي في ذمار (62) طالباً، وأن ارتفاع نسبة الطلبة إلى هيئة التدريس تؤدي إلى ازدحام القاعات والمدرجات والذي بدوره يعمل على تدني نوعية التعليم وجودته كما يؤثر بالتالي على نوعية مخرجات التعليم الجامعي وضعفها وتأهيلها وفي المتوسط نجد أن لكل عضو هيئة تدريس عدد ( 59) طالب وطالبة من هنا يتضح مقدار العبء التدريسي على هيئات التدريس بالجامعات كما أن هذا يعتبر مؤشراً ذا دلالة على مستوى التأهيل ونوعيته ومستوى كفايته وإنتاجيته.
لا توجد في الجامعات الحكومية أو الأهلية أنظمة ولوائح لتقييم ومراقبة أعضاء هيئة التدريس، فمن الملاحظ أن البعض من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية ( سواء كانوا يمنيين أو من الوافدين ) يعملون في الجامعات الأهلية أو في مؤسسات اقتصادية واجتماعية مختلفة، بدون ترخيص أو معرفة من الجامعة التي يعملون فيها، كما أنهم يعملون ما بين ( 6-15) ساعة أسبوعياً للتدريس ي الجامعات الأهلية، مما يؤثر سلباً على نوعية التعليم والكفاءة الداخلية في عملهم الأساسي في الجامعات الحكومية، وهذا ما يدلل على قصور وغياب الأنظمة واللوائح المنظمة، لذلك أو عدم المبالاة بها إن وجدت، ولذلك فإن عملية التقييم لعضو هيئة التدريس تعتبر مسألة بالغة الأهمية من أجل تطوير وتحسين نوعية التعليم والأداء وضمان جودته.
6- البنية التحتية والمناهج والمقررات الدراسية في الجامعات:
اعتمد النظام التعليمي في الجامعات اليمنية على الأسلوب النمطي التقليدي، من خلال التلقين والحفظ في توصيل المادة التعليمية إلى الطلبة، كما أن المناهج التعليمية الحالية والمقررات الدراسية القائمة قديمة لا تتماشى مع التطورات المعاصرة، كما أن الملاحظ أن أداء الجامعات لوظيفتها في العملية التعليمية يقتصر على أداءات شكلية، فالمناهج عتيقة وجامدة ولا زال الاعتماد على الملازم نتيجة لنقص وغياب للكتب، والمراجع العلمية ونقص للوسائل التعليمية، والمعامل والمواد المختبرية وغيرها من الوسائل التعليمية المهمة لإنجاح العملية التعليمية، وفي تقديم المعلومات والمعارف الجديدة.
إن مهمة الجامعات الأساسية تطوير الفكر والبحث لتتماشى مع التطورات العلمية والتقنية المعاصرة، إلا أن واقع الحال في الجامعات اليمنية يؤكد عكس ذلك، فيتم التركيز على الجوانب النظرية بدلاً من المهارات التطبيقية والعملية، وهو ما يؤدي إلى ضعف التحصيل العلمي والمعرفي للطلبة في مجال تخصصهم، كما يعكس الاختلال بين الكليات الإنسانية والتطبيقية، في ظل قلة أو غياب الأنشطة العلمية المصاحبة داخل المحاضرات أو خارجها، وانعدام التدريب العملي في كثير من الأحيان، يجعل التدريس الجامعي عاجزاً عن إكساب طلبته المهارات والقدرات والتخصصات والمهن التي تحتاجها التنمية وسوق العمل. ومما يزيد الوضع صعوبة عدم تمكن خريجي الجامعات خلال فترة الدراسة من الحصول على فرص لتطبيق ما درسوه في الحياة العملية وربطها بموضوع دراستهم.
أن المواد والوسائل التعليمية والمعدات، تكاد تكون محدودة، كما أنها تستخدم الوسائل التقليدية (( عدم استخدام الوسائل التكنولوجيا الحديثة في علم المكتبات )) وتوفر المعلومات الكاملة وبشكل سريع سواء عبر الانترنت أو أي وسائل أخرى. كما أن لغياب الوسائل التعليمية الحديثة من الحاسوب، وتبادل المعلومات عبر شبكة الانترنت وعدم استخدام الأنظمة التعليمية المرتبطة بتكنولوجيا المعلومات،والاتصالات أدى إلى تدني كفاءة الجامعات وقلة إنتاجها المعرفي وضعف العائد الاقتصادي والاجتماعي غير ذلك.
إن الاستفادة من الطرق والوسائل الحديثة في المناهج التعليمية سوف تنعكس على نوعية التحصيل العلمي والفكري للطلبة في الجامعات اليمنية، سوف تؤدي إلى تحسين نوعية المخرجات الجامعية وقدرتها على المنافسة في سوق العمل المفتوح خارج النطاق الجغرافي للوطن.
ثانياً : سوق العمل في اليمن وطبيعته*:
يبلغ عدد سكان اليمن حوالي (21 ) مليون نسمة ، على الرغم من الهبوط الملحوظ في معدل النمو السكاني من ( 3.7%) عام 1997م إلى ( 3.1%) عام 2004م، يُبقى معدل النمو السكاني في اليمن من بين أعلى المعدلات في العالم( )، الأمر الذي يؤدي إلى الطلب المتزايد على الخدمات الأساسية والمرافق الحكومية والإسكان وفرص العمل.. وغيرها.
إن الاقتصاد اليمني بسيط وصغير ولا يمكنه تحمل متطلبات العدد الكبير من السكان في البلد، فهو ينمو ببطء مقارنة بالنمو السكاني السريع، كما أنه غير متنوع للتخفيف من الأخطار الشاملة التي تنشأ عن التقلبات الاقتصادية، وكذلك البطالة العالية في صفوف الشباب وانحسار المخزون الاحتياطي من النفط، أن اليمن بحاجة بصورة عاجلة وملحة إلى تنمية مصادرها غير النفطية وإلى توليد فرص عمل إضافية لمواجهة النمو المتسارع في أعداد الأيدي العاملة من الشباب، من خلال تبنى سياسة اقتصادية جادة والعمل من أجل تحسين مناخ الاستثمار.. الخ.
1) التركيبة الاقتصادية:
تعتبر اليمن البلد الأقل من ناحية الدخل في المنطقة، بمستوى أسمى للدخل السنوي للفرد من إجمالي الناتج المحلي يبلغ أقل من ( 600) دولار أمريكي، وبالتالي فاليمن مصنفة في المرتبة ( 144) في التصنيف العالمي لمستويات الدخل في البلدان . وبحسب شروط تعادل القوة الشرائية مع الدخل الفعلي، فإن اليمن تحتل المرتبة( 176) بحسب التصنيف الدولي، وهذا ما يرشح اليمن لتكون من أكثر الدول فقراً، على الرغم من الانخفاض في نسبة الفقر في العد الفردي من ( 40%) عام 1998م إلى (35%) عام 2006، إلا أن عدد الفقراء ما يزال على حالة حيث وصل إلى حوالي ( سبعة ملايين ) خلال هذه الفترة ( ) ، بالإضافة إلى ما تواجه اليمن من زيادة ونمو سكاني عالي.
يتسم الاقتصاد في اليمن ببساطته وصغره فيما يتعلق بمتطلبات الإنتاج كما أنه مثقل بمعوقات اقتصادية اجتماعية وهيكلية تعوقه عن:-
- امتصاص المعدلات المتزايدة من الأيادي العاملة المتوفرة بنسبة تصل إلى ( 3.3%) سنوياً، والتي تتطلب تقريباً ضعف هذه النسبة في النمو الاقتصادي غير النفطي لمنع معدلات البطالة من الارتفاع.
- تحقيق التوقعات المتعلقة بالتحصيل العلمي المتصاعد للباحثين عن وظائف ( البطالة في صفوف خريجي الجامعات تصل (54%) مقارنة بالنسبة الكلية للبطالة والتي تصل إلى (16%) ) .
- خلق أوضاع تشجع على نمو اقتصادي متسارع تحت ريادة القطاع الخاص ( معظم النمو الاقتصادي للسنوات الأخيرة ناجمة عن النشاط النفطي، بينما سجلت غالبية القطاعات الأخرى نمواً ضئيلاً نسبياً).
- تلبية متطلبات التمويل المتزايدة للتسريع في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية ( التنمية الإنسانية ).
- مواجهة العواقب الناجمة عن الانحسار في المخزون الاحتياطي للنفط والماء.
إن الاقتصاد في اليمن هو اقتصاد أيدي عاملة فائضة، ويتميز بزيادة في وفرة الأيدي العاملة على نحو متصاعدة نظراً للنمو السكاني السريع وبطء النمو الاقتصادي ( تتزايد الوفرة في الأيدي العاملة بمعدل ( 3.3%) سنوياً، الأمر الذي يتطلب نسبة نمو اقتصادي غير نفطي مقابلة بحوالي ( 6-7 %) وفي الواقع، فإن نمو القطاع غير النفطي يصل إلى حد النصف من تلك النسب في السنوات الأخيرة.
أن مناخ الاستثمار ما يزال غير مشجعاً على تنمية القطاع الخاص، وما يزال الاقتصاد محكوماً بالمشاريع الصغيرة والتي بلغت نسبة إنشائها ( 4%) فقط سنوياً مقارنة بالبلدان الأخرى، وعلاوة على ذلك فإن معدل خلق فرص عمل في المنشآت الجديدة منخفض أيضاً 2.5 فرص عمل تتوفر فقط من كل (100) منشأة، باستثناء الوظائف التي يتم كسبها نتيجة للتوظيف الذاتي للمالكين والمدراء لقد انحسرت مساهمة القطاع النفطي في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى( 12.4 %)عام 2005م مقارنة بنسبة (17%) عام 2000م، ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض بصورة أكثر تسارعاً، وتشير التقديرات إلى أن الانخفاض سيصل في العقد التالي إلى (6.5%) سنوياً من الإنتاج حتى الوصول إلى النضوب عام 2020م.
أما بالنسبة لقطاع صيد الأسماك فقد حقق نمواً لا بأس به، فكان معدل النمو في هذا القطاع الأعلى من بين جميع القطاعات الأخرى، حيث بلغ معدل النمو فيه (22.2%) وأكثر من ضعف مساهمته من إجمالي الناتج المحلي إلى(1.1% ) عام 2005م، مقارنته بنسبة ( 0.5% ) عام 2000م وقد تحقق هذا النمو القوي بسبب الدعم الحكومي المتزايد بالإضافة إلى الزيادة في الاستثمار المحلي والأجنبي في هذا القطاع، ويعتبر قطاع الثروة السمكية من أكثر القطاعات الواعدة في اليمن بما يحمله من إمكانات واعدة وفرص متنوعة وجيدة للاستثمار في صيد ومعالجة وتصدير الأسماك، فقد بلغ عدد العاملين في قطاع الثروة السمكية أكثر من(315.00) شخص عام 2004م.
ويؤثر النمو البطيء في القطاع غير النفطي وبيئة العمل المعقدة في القطاع الخاص، سلباً على النمو للطلب على الأيدي العاملة، وحتى أثناء الفترة 94-1999م والتي كانت فترة بالغة الذروة للنمو في اليمن بعد توحيد البلد، فقد نمت الأيدي العاملة بما يتجاوز إلى حد بعيد نسبة الطلب عليها أو فرص العمل المتاحة من الملاحظ أنه من غير ليس من الممكن توقع وجود وظائف جديدة في القطاع العام كونه ملئ بالعمالة الفائضة، وبالتالي، فإنه من المتوقع أن يوفر القطاع الخاص غير النفطي فرصاً للعمل فنجد أن إستراتيجية المساعدة للبلد في البنك الدولي تحدد قطاعات الزراعة والثروة السمكية والخدمات، كمجالات قادرة على توليد فرص عمل إضافية( ) ، أن الحكومة اليمنية تهتم بالدور الذي يلعبه قطاع الثورة السمكية وأيضاً الزراعة، ولكنها ترى أن قطاعات التصنيع والسياحة والتشييد والتجارة وإعادة التصدير من القطاعات الواعدة أكثر في الاقتصاد اليمني وتسعى إلى تطويرها بشكل أكبر( ) ، ويمكن التأكيد هنا بأن المشاريع الصغيرة مهيمنة على تركيبة قطاع الإنتاج فأكثر من (91%) من الشركات صغيرة الحجم وهي تستخدم فقط أقل من (5)عمال( )
2) طبيعة سوق العمل :
تشير المعلومات المختلفة حول سوق العمل بأن اليمن لديها اقتصاد موسوم بالعمالة الفائضة بسبب الإخفاق في توسيع الطلب على العمالة، بما يمكن من امتصاص الأيدي العاملة المتزايدة بشكل سريع، وأغلب المعلومات يتم الحصول عليها من المسوحات والاستطلاعات وعمليات العد والتعداد السكاني.
إن سوق العمل عموماً ليس معاقاً بنقص في المهارات الشاملة، ولا بسوء التوافق الحاد بين العرض والطلب، رغم وجود ظاهرة اختلال في التوازن، إلا أن غالبيتها تنحصر في نطاق صغير جداً، وتأثيرها ضئيل على المعدلات الهائلة للبطالة عبر كل مستويات التعليم بما فيه التعليم الجامعي ، كون الاقتصاد مازال بسيطاً لاستخدام المهارات العالية وامتصاص المخرجات المتزايدة من قطاع التعليم.
ارتفعت البطالة وما زالت في تزايد ويبدوا أن فرص خفضها في المستقبل القريب غير وارد، فيصل الوفر السنوي للأيدي العاملة إلى (200.000 ) يد عاملة تقريباً، وتميل العديد من الدراسات إلى التقدير بأنه من المحتمل جداً حدوث نقص في توليد فرص عمل جديدة بنحو (50.000 ) على الأقل، أو تعطل ( 25% ) من الباحثين الجدد عن وظائف( )، ويمكن التأكيد بأن لوائح التوظيف في القطاع العام والقطاع الخاص متماثلة، ولكن هذا الأمر يشير ضمناً في اقتصاد العمالة الفائضة، إلى أن لدى القطاع الخاص معايير أعلى بكثير مما يمكن لسوق العمل توفيره، كما أن توظيف المرأة لا يزيد كعنصر منتج من النمو الاقتصادي فحسب، بل سيتطلب الأمر بعض التغييرات خارج سوق العمل كالمجالات القانونية والاجتماعية.
إن تقديرات مسح القوى العاملة للعام 1999م تشير إلى أن عدد الذين في سن العمل من السكان يصل إلى (8.9 ) مليون شخص ( من سن 15- فأعلى )، منهم (3.6 ) مليون كانوا ضمن القوى العاملة ، و( 470.000) من العاطلين، وفي عام 2004م وصل عدد الأيدي العاملة في اليمن إلى (5.7 ) مليون شخص وهي في تزايد مستمر بنسبة (3.3 ) سنوياً، كما أشرنا سابقاً، تحقق النمو الاقتصادي الأخير بشكل أساسي نتيجة لعائدات النفط، في الوقت الذي أخفقت فيه القطاعات الأخرى في أدائها للوصول إلى الأهداف المحددة وللنمو فيها، فعلى المستوى الأكثر صغراً تبلغ نسبة المنشآت الجديدة التي يتم تأسيسها(4% ) فقط، كما أن عدد فرص العمل في هذه المنشآت صغيراً أيضا [ (2.5 ) وظيفة لكل (100) منِشأة ] ، وبالتالي فإن العبء لتوليد فرص عمل جديدة أكثر سنوياً سيقع على عاتق منشآت عاملة وتشير التوقعات إلى قدرتها على توليد (4) فرص عمل لكل 100 منشأة، وعلى الرغم من هذه التوقعات بزيادة الطلب على الأيدي العاملة إلا أن ذلك سيتم بنسبة لا تكفي لامتصاص الزيادة السنوية في أعداد الأيدي العاملة والتي تصل إلى (3.5%) من الأيادي العاملة، في حين يتزايد أن حجم الأيدي العاملة حالياً بنسبة (3.3% ) سنوياً وتصل هذه الزيادة السنوية في وفرة الأيدي العاملة ما يساوي أربعة أضعاف التقديرات من الوظائف الجديدة في القطاع العام حتى عام 2010م.
ينبغي الإشارة إلى أنه في أفضل الظروف لا يمكن للتوظيف في مؤسسات القطاع الحكومي أن يخفض من الفائض في عرض الأيدي العاملة سوى بنسبة(10%) فقط، كما أن عدد القوى العاملة في قطاع الصناعة حوالي ( 120.000) شخص بما يضاعف نمو من (4.7%) عام 2000 إلى (10% ) وقد لا يستطيع قطاع الصناعة امتصاص أكثر من (6000 ) عامل إضافي سنوياً.
أن الوفرة في الأيدي العاملة قد تستمر في التزايد لتصل إلى أكثر من( 200.000) يد عاملة في السنة الواحدة، في الوقت الذي يصل فيه الطلب على الأيدي العاملة إلى (50.000) يد عاملة سنوياً .
أن احتمالات قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل الصغيرة بما في ذلك القطاع العام، الذي لا تصل قدرته المخطط لها على امتصاص القوى العاملة لفترة الخمس سنوات القادمة إلى ربع الزيادة في القوى العاملة لسنة واحدة، كما أنه لا يمكن إتباع أسلوب التوسع في التوظيف في القطاع العام كأحد الخيارات فقط لأجل امتصاص الأيدي العاملة بصور مؤقتة.
أن النفط المسيطر على الاقتصاد اليمني (كونه يولد ( 27%) من إجمالي الناتج المحلي) لا يستخدم سوى ( 21.000) فقط من الأيدي العاملة، وليس من المتوقع أن يعمل على خلق فرص عمل كثيرة لمواجهة النمو المتسارع في عدد الأيدي العاملة التي تزيد بمقدار (200.000 ) يد عاملة سنوياً تقريباً( )، ولكونه قطاع تصنيعي على مستوى عال جداً يتطلب عمالة ماهرة يتم استيرادها من الخارج في أغلب الأحيان.
إن نتائج سوق العمل مدعاة للقلق ، فترتفع نسبة الأيدي العاملة سنوياً بنسبة ( 3.3% ) إلا أن النمو الاقتصادي غير النفطي يضعف من خلال النتائج التي تشير إلى أن معدل البطالة قد تضاعف في السنوات العشرة الأخيرة لتصل الآن إلى أكثر من ( 16%) من إجمالي الأيدي العاملة المتوفرة.( )
ولهذا فإن هناك حقيقة بسيطة، هي أن الاقتصاد لا يولد فرص عمل كافية ولا حتى فرص عمل ضعيفة المستوى، ولهذا فإن اليمن تواجه تحدياً كبيراً في عملية تحسين الاقتصاد والتنمية بسبب انخفاض دخل الفرد ومحدودية الموارد والزيادة المتسارعة في عدد السكان وقلة فرص العمل.
وعليه، فيجب لتطوير سوق العمل، إيجاد حلول شاملة أكثر تنظيماً تشمل تطوير المصادر غير النفطية للنمو الاقتصادي، وتحسين مناخ الاستثمار للتشجيع على التطوير بشكل أكبر للقطاع الخاص وتحسين عملية الإعداد للأجيال القادمة.
ثالثاً: مخرجات التعليم الجامعي وسوق العمل في اليمن :
1- التعليم الجامعي وثقافة السوق:
التعليم الجامعي هو المصدر الرئيسي لرأس المال البشري في مجال البحث العلمي والتطوير التقني والمعرفي، ويمثل ركيزة أساسية لتقدم أي مجتمع من المجتمعات كما أنه يؤمن مخرجات مهنية وفنية وإدارية عالية المستوى ذات دور جوهري في قيادة حركة التنمية في المجتمع، بمعنى آخر، أن وظيفة وهدف التعليم الجامعي أنه مصدراً للعلم والمعرفة ووسيلة لتوفير المهارات العلمية والمهنية المطلوبة للمجتمع، وعلاوة على ذلك يكسب المتلقي الثقافة وسعة الأفق والقدرة على اكتساب قيم ورؤى جديدة لواقع مجتمعاتهم ومستقبلها، ويتفق الأغلبية أن للجامعات دوراً مهماً في المجتمع، كمراكز للنقد والتقويم ، فهي المؤسسات القادرة على الأخذ بالأفكار الجديدة وغير الزائفة، لقدراتها على تمهيد الطريق للتنمية الاجتماعية والاقتصادية ". ( )
في ظروف العالم المعاصر، عصر العولمة وثقافة السوق، تبرز الحاجة حالياً إلى دراسة واقع التعليم الجامعي لارتباطه القوي بهذه المتغيرات، إضافة إلى وجهات النظر المتعددة حول مكانة التعليم الجامعي وطبيعته وعائده الاجتماعي ." إن للعولمة تأثيراتها الواضحة على التعليم الجامعي وتعد التحولات الرأسمالية وهيمنة ثقافة السوق مكوناً جوهرياً للعولمة، ولهذه التحولات أبعادها ممثلة بضعف الحالة الاقتصادية والسياسية وسعى النظام العالمي الجديد إلى فرض نمط اقتصادي موحد على دول العالم، ودمج اقتصاديات البلدان العربية في الاقتصاد العالمي بصرف النظر عن موقعها ومدى هامشيتها.. هذا الاندماج يشكل خطراً محدقاً لأغلبية البلدان والعربية النامية ويهدد اقتصاداتها الضعيفة أصلاً بمزيد من الضعف والتهميش" . ( )
إن واقع التعليم الجامعي يشير إلى تدنيه وضعفه مما لا يتناسب وتطلعات المجتمع للنهوض بالعلوم والمعارف والتقنية وتطوير المؤسسات التعليمية الجامعية حتى تتمكن من توفير المتطلبات الأساسية للتقدم والنهوض ، ويُعزى ذلك إلى العديد من الأسباب التي سبق الإشارة إلى أهمها فعلى سبيل المثال فالطلبة يدرسون بشكل غير ملائم وبما لا يتناسب وعدد الكادر التعليمي إلى عدد الطلبة مما يؤدي إلى مستوى تربوي وأكاديمي متدنِ ومخرجات ضعيفة وعدم ملائمة المباني والتجهيزات العلمية وهدر الموارد المالية والتزايد الكبير لطلبة التعليم الجامعي في التخصصات الإنسانية مقابل الانخفاض في التخصصات التطبيقية رغم أن ذلك لا يعني الاستهانة والتقليل من شأن وأهمية التخصصات الإنسانية ،وأهميتها العلمية، ومساهمتها في تقدم المجتمعات وتطورها، بل أن الحديث حول التوسع في التخصصات الإنسانية بشكل مبالغ فيه، بعيداً عن هدف خدمة التنمية ومتطلباتها، هذا التوسع تم مع البقاء للإمكانيات المتاحة من أعضاء هيئة تدريس ومكتبات علمية وتجهيزات ومعامل وغيرها، دون أي تغيير يذكر وتكرر التخصصات وعدم التنوع في إطار الجامعات الحكومية أو الأهلية حديثة النشأة مثلاً، وعدم اختيار القيادات الأكاديمية الكفؤة وبحسب معايير علمية وموضوعية، وكما تشير الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي في الجمهورية اليمنية إلى " أن نظام التعليم العالي في اليمن في أمس الحاجة إلى التحديث والتطوير والتحسين المستمر لاسيما وأنه يعاني من نقاط ضعف عديدة، مما يؤثر سلباً على المستوى العلمي والتربوي في التعليم العالي وجودة مخرجاته، اختلال التوازن بين عدد أعضاء هيئة التدريس إلى عدد الطلبة.. نقص المباني والتجهيزات وعدم ملاءمتها لمتطلبات العملية التعليمية في القرن الواحد والعشرين .. ومن أهم العوامل التي أدت إلى ضعف قدرة الجامعات في استخدام مواردها استخداماً جيداً وما نجم عن ذلك من تردي في مستوى المخرجات التعليمية هو ضعف القدرة المؤسسية للجامعات، ونمط الإدارة المركزي الذي تنتهجه وزارة المالية في تحديد المخصصات المالية وكيفية إنفاقها "( )
بدأت ثقافة السوق في الانتشار عالمياً في عصر العولمة، في مجالات الحياة المختلفة ، وفي عقد التسعينات من القرن العشرين غزت هذه الثقافة مجال التعليم في البلدان العربية، واليمن واحدة منها، وبرزت هذه الثقافة ( ثقافة السوق ) وأصبحت ذات ملامح واضحة في مجال التعليم الجامعي، وهو ما يمكننا ملامسته في إنشاء الجامعات الأهلية وانتشارها بوتيرة سريعة، حيث أصبحت أكثر عدداً من الجامعات الحكومية، ففي اليمن حالياً (8) جامعات حكومية وأكثر من ( 15) جامعة أهلية وفي زمن قصير، حيث أن أقدم جامعة أهلية أنشئت عام 1994م أي أن الحكومة رأت ضرورة مساهمة القطاع الخاص في العملية التعليمية حتى تتخلى من أعباء الاستثمار والإنفاق على مؤسسات التعليم الجامعي.
لقد أمتد تأثير ثقافة السوق على التعليم الجامعي الحكومي من خلال أشكال متعددة، كفرض الرسوم الدراسية، نظام التعليم بالنفقة الخاصة والتعليم الموازي ، والتعليم عن بعد، ودخول خدمات التعليم الجامعي الأجنبي ( غير اليمني ) كالجامعة اللبنانية، ولكن هل تأثير ثقافة السوق على التعليم الجامعي هيأت إلى تحسين وتحديث وتطوير العملية التعليمية وجودتها ونوعيتها؟
أن واقع الأمر يشير إلى أن الجامعات الأهلية التي أنشئت وبشكل سريع، ما هي إلا مؤسسات تتوخى الربح، كما أن إمكانياتها محدودة ولا تزال تعتمد على الكادر التعليمي في الجامعات الحكومية، خصوصاً الكادر التعليمي من جامعة صنعاء، وعدن.( )
أن الجامعات الأهلية تعمل على خلق التفاوت الاجتماعي، فالالتحاق بهذه الجامعات لا يتم إلا لأبناء من لديهم دخول مرتفعة أو أثرياء، وتحرم شريحة كبيرة من هذه الميزة لعدم قدرتها على الإنفاق على التعليم الجامعي الأهلي وهذا سيؤدي إلى الاستبعاد الاجتماعي في مجتمع يتسم بمستوى دخل منخفض للفرد والتفاوت في توزيعه.
إن المهمة الرئيسية أمام راسمي السياسات التعليمية في اليمن تكمن في تحسين وتطوير التعليم الجامعي وجودته من أولويات أهدافهم وإيجاد الحلول الموضوعية والعلمية والواقعية، التي تتناسب مع ظروف البلد المختلفة في القضاء على المسببات والعوامل الحقيقية المؤثرة في ضعف التعليم الجامعي.
إن تزايد أعداد الطلبة الملتحقين بالتعليم الجامعي ظاهرة طبيعية تتناسب مع زيادة ونمو عدد السكان، ولا تتعارض قضية جودة التعليم ونوعيته مع التوسع في التعليم الجامعي ونموه، بعيداً عن سياسة تقييد الالتحاق بالتعليم الجامعي والذي يؤدي إلى أقصاء شريحة اجتماعية كبيرة من الالتحاق به، فلا يوجد أية تناقض بين جودة التعليم والعدالة والتوسع في الالتحاق ولكن من خلال سياسة الاختيار والتمييز والتخطيط الجيد وتفعيل المعايير، وإعادة النظر و التقييم للتعليم ما قبل الجامعي والحد من الهدر للموارد المالية، وتطوير المناهج وأساليب التعليم الحديثة والمتطورة المواكبة للقرن الواحد والعشرين، كل ذلك سينهض بالتعليم الجامعي، وسينعكس ذلك على مخرجاته، ونوعياتها وكفاءتها باعتبار أن التعليم الجامعي يقوم بوظيفة اجتماعية وثقافية واقتصادية، ويقدم خدمة عامة تختلف جذرياً عن المؤسسات التجارية.
2- سوق العمل ومخرجات التعليم الجامعي:
سبق الإشارة إلى ضعف القطاعات الاقتصادية في اليمن بالإضافة، إلى عدم تنوع هياكل الإنتاج، وتراجع الأهمية النسبية للتصنيع، وعدم الاهتمام ببناء القدرات التقنية الذاتية وإقامة مجتمع المعرفة، كما أن سوق العمل القائم في اليمن لا يتطلب تمتع شاغل وظائفه درجة معرفية معينة، فهو لا يتطلب المهارات العالية والتعليم الجامعي المتميز . بمعنى آخر، أن فرص سوق العمل غالباً، ليست ذات إنتاجية متخصصة، بل هي عبارة عن نشاطات تجارية أو خدمية ، فعلى سبيل المثال وبحسب تقرير نتائج مسح الطلب للقوى العاملة، تبين أن قطاع تجارة الجملة والتجزئة وإصلاح المركبات والسلع الأسرية يمثل أكبر القطاعات التي يتوقع أن تساهم في توفير فرص العمل، حيث يقدر صافي الطلب للوظائف ( 41.2%) من مجموع صافي الطلب الكلي، ويقدر صافي الطلب في قطاع الصناعات التحويلية الناتجة عن زيادة الوظائف إلى( 20.9%)، ويحتل بذلك المرتبة الثانية، ويليه الصحة والعمل الاجتماعي( 10.5%) ، وأنشطة الخدمة المجتمعية والاجتماعية ( 8.4%) وذلك خلال الفترة 2004-2006م. ( )
استمر تزايد العرض على الطلب للقوى العاملة في السنوات القليلة الماضية في اليمن وقد يزداد هذا الوضع خطورة في المستقبل المنظور، ما لم تحدث تغيرات ملحوظة في سوق العمل اليمني، فيتوقع تزايد النمو من حيث عدد الأفراد في سن العمل بنسبة عالية تصل إلى ( 3.8) كل عام.
وتشير التقديرات إلى تزايد العرض الإضافي من القوى العاملة، يصل إلى حد يقارب ( 900.000) عام 2006م ، بنسبة بطالة قدرها ( 17.1%) بين السكان بشكل عام ونسبة ( 34%) بين الشباب، وبحسب تقرير المسح يتطلب توفير ما لا يقل عن (22) ألف وظيفة جديدة في السنة للعاطلين عن العمل، بالإضافة إلى( 188 ألف ) وظيفة لمواجهة الزيادة السنوية للعرض الإضافي من القوى العاملة.كما أن نسبة تشغيل الإناث تقل عن نسبة تشغيل الذكور ، وتشير نتائج المسح عن أفضلية تشغيل الذكور لتلبية احتياجاتها من العمالة خلال الأعوام 2004-2006م فنسبة( 85.1%) من المنشآت تعطي الأفضلية للذكور ونسبة( 4.5%) للإناث، بينما ( 10.4%) لا تفرق بين الجنسين.
كما يشير " تقرير المسح، إلى أن كثير من المنشآت أفادت بشكل عام إلى عدم توفر العمالة الماهرة أو نقص في الخبرة أو ضعف تدريب المرشحين لشغل الوظائف، وهذه المهارات تتمثل في القيادة والإدارة بنسبة ( 36.4%) ، وعدم إجادة لغة أجنبية ( 23.9%) عدم المعرفة باستخدام الكمبيوتر ( 17.6%) والافتقار إلى الاستخدام السليم للمعدات ( 15.2%) وبحسب تقرير نتائج المسح لطلب القوى العاملة يتضح أن فرص التوظيف في المنشآت الحالية لا يتوقع أن يكون مؤشراً رئيسياً لخلق ( 188 ألف ) وظيفة جديدة سنوياً مطلوبة لمواكبة صافي النمو السكاني السنوي للقوى العاملة ،وهو ما يعطي مؤشراً بأن مشكلة الاستخدام في اليمن معتمد على النمو في عدد الوظائف من خلال المنشآت الحالية، بالإضافة إلى إيجاد فرص عمل للتوظيف من خلال مشاريع مدره للدخل على نطاق واسع.والحاجة إلى توسيع وتعزيز برامج التدريب المهني والتعليم التخصص الجامعي وتطور المهارات الإدارية.
كما أن رضى أصحاب العمل على مخرجات التعليم الجامعي، بحسب نتائج المسح تبين أن نسبة ( 87.5%) من المنشآت راضية على مستوى الخريجين، بينما ( 12.5%) من المنشآت غير راضية، وترى أن أوجه القصور يتضح في نقص المهارات والمعرفة النظرية ونقص في التقنية الحديثة، بمعنى آخر، عدم الاستجابة للتطورات العلمية والتكنولوجية، بالإضافة إلى مهارات اللغات الأجنبية وبحسب نتائج المسح نجد أن نسبة ( 87.25) من خريجي الجامعات واجهت صعوبات تراوحت بين اللغة الأجنبية وتشغيل الأدوات والمعدات وصعوبة تشغيل الحاسوب الآلي والأعمال المحاسبية.( )
أن عدد من خريجي الجامعات لا يعملون في مجال الدراسة والاختصاص بحسب المؤهل نجد أن النسبة بلغت ( 18.4%) لحملة الشهادات الجامعية وبحسب التخصصات فنجد أن العلاقة قوية بين العمل والمؤهل والتخصص تنخفض (17.1%) في العلوم التطبيقية لتصل إلى ( 58.3%) في العلوم الإنسانية إن هذه المؤشرات تؤكد على ضرورة توجه الجامعات نحو تطوير مناهجها بما يتواكب والتطورات العلمية والتكنولوجية التي يشهدها سوق العمل خاصة وأعطى أهمية لتدريس اللغات الأجنبية واستخدام الحاسوب ضمن مناهج التعليم الجامعي، وتقييم وتطوير المناهج الإنسانية والتطبيقية، من المهم الإشارة إلى، أن ضعف الطلب للقوى العاملة وعلى وجه الخصوص مخرجات التعليم الجامعي، يعود في الأساس إلى ضعف سوق العمل وفرصه للتوظيف في القطاع الخاص وتشبع القطاع العام بالموظفين فيه فكما تشير الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي أن سبب بطالة مخرجات التعليم الجامعي تتعلق بعوامل العرض والطلب وأن مجرد تحسين النوعية والمحتوى لبرنامج التعليم الجامعي، قد لا يكون كافياً لحل مشكلة البطالة في صفوفهم، فالنمو الديموجرافيا المتسارع من ناحية وغياب سياسات فعالة تخلق فرص عمل من ناحية أخرى يلعبان دورهما أيضاً ( )
أن معرفة المؤهلات المطلوبة لسد الشواغر الوظيفية المتوقع استحداثها في سوق العمل، من المؤشرات الهامة لمؤسسات التعليم الجامعي والجهات ذات العلاقة لتنمية الموارد البشرية، وهذا ما يؤكد على أهمية أن تتعاون إدارة مؤسسات التعليم الجامعي والقطاعات الاقتصادية المختلفة في اليمن، لوضع آلية فعالة لرفع درجة التنسيق والشراكة بينهم.
3- البطالة بين مخرجات التعليم الجامعي:
ارتفعت معدلات الالتحاق بالتعليم الجامعي إلى الضعف في الفترة بين العامين الدراسيين 96/1997- 2004/2005م، وكان معدل الالتحاق للفتيات أكبر من ذلك، حيث ارتفع المعدل إلى ( 286%) مقابل ( 171%) على التوالي، وبلغت حصة التعليم من الإنفاق الحكومي ( 15%) تقريباً من إجمالي الإنفاق الحكومي عام 2005م، ويصل عدد الطلبة في التعليم الجامعي إلى ( 150.000) طالب وطالبة تقريباً ومعدلات التحاق أدنى للطالبات تصل نسبتها إلى ( 35%) كما تم إعداد خطة إستراتيجية لإصلاح التعليم العالي، وتم تبنيها من قبل الحكومة عام (2006م )، تركز على دور التعليم العالي في النمو والتنوع الاقتصادي والبحوث التطبيقية وتطوير وتحسين نوعية نظام التعليم ككل.( )
إن الارتفاع في معدل الالتحاق بالتعليم الجامعي يعزى إلى الطلب الاجتماعي عليه بالإضافة إلى التأثير الناجم عن المداخيل ( الرواتب ) الأعلى نسبياً في صفوف خريجي الجامعات عن المستويات الأدنى (( المداخيل الأعلى نسبياً تتوفر فقط لأولئك الذين يستطيعون تأمين الوظائف لأنفسهم وليس للعاملين)) ومع تزايد أعداد الخريجين من الجامعات بشكل سريع ، وتزايد معدلات البطالة في صفوفهم طبقاً لمسح ميزانية الأسرة عام 2005م /2006م ، إذ تصل معدلات البطالة بين خريجي الجامعات بنسبة (53.5%) خلال السنوات الخمس القادمة يتوقع تخرج ( 150.000) طالب وطالبة، سيحدث تنافس بينهم على ( 55.000) خريج جامعي، بالإضافة إلى أن فرص الحصول على وظائف ستبقى ضعيفة للباحثين عن عمل من خريجي الجامعات، ولهذا تبنت الحكومة مؤخراً سياسة القبول في الجامعات لتخفيض عدد الملتحقين بالتعليم الجامعي بنسبة ( 16%) وتشجيع الالتحاق بالتعليم المهني.
إن مؤشرات سوق العمل في اليمن تنذر بارتفاع نسبة البطالة بين أوساط خريجي الجامعات، لاسيما في التخصصات النمطية والمتكررة، فيتأثر خريجي العلوم الإنسانية وعلوم الاجتماع بالبطالة بشكل خاص، وبعض تخصصات التجارة والإدارة والعلوم، وذلك لقلة أو ندرة الفرص في سوق العمل ( المؤسسات والشركات، والمنشآت ... الخ ) لخريجي هذه التخصصات وتخلي الحكومة عن وظيفة استيعاب مخرجات التعليم الجامعي وعدم التزامها بتوظيفهم منذ عام 1995م إلا في الحدود الدنيا
( في مجال التعليم والصحة )، ولقد عملت الحكومة على تقليص القبول والالتحاق في الجامعات الحكومية ، مما يؤدي إلى انخفاض عدد الطلبة في الجامعات الحكومية إلى ( 5.6%) بين عامي( 2001/2002-2004/2005م ) ( )، بل و يلاحظ كذلك اتجاه خريجي الثانوية العامة إلى الالتحاق في التخصصات المطلوبة في سوق العمل وهو ما توضحه مؤشرات اتجاهات الالتحاق في التعليم الجامعي بين عامي 2001/2002-2004/2005م، كما لعب إنشاء العديد من الجامعات الأهلية من استيعاب ( 9.7%) من إجمالي طلبة التعليم الجامعي.
إن ارتفاع معدل البطالة بين خريجي التعليم الجامعي وعلى وجه الخصوص في التخصصات الإنسانية أدى إلى ارتفاع كلفة الفرصة البديلة من الالتحاق بالتعليم الجامعي، وتقليص الإقبال على تلك التخصصات، وبالتالي انخفض الالتحاق بالتعليم الجامعي، وبالنتيجة تسرب نسبة كبيرة من مخرجات التعليم الثانوي إلى مجالات أخرى في ظل ارتفاع الكلفة الخاصة والكلفة الاجتماعية للالتحاق بالتخصصات النمطية.
تحتل مخرجات التعليم الجامعي أهمية خاصة لدى صانعي السياسات الاقتصادية والتعليمية في اليمن من حيث كفاءتها ونوعيتها وتأهيلها، وتمثل هذه المخرجات أهم مشكلة تواجهها الجامعات بسبب غياب العلاقة والتخطيط والتنسيق بين مؤسسات التعليم الجامعي وبين متطلبات سوق العمل والتنمية كما تكمن الصعوبة في كيفية خلق علاقة مستمرة ومناسبة، لتمكين مخرجات التعليم الجامعي من الحصول على فرص عمل في السوق، بالإضافة إلى تأهيلهم نوعياً كمتطلبات لتلبية التطور التقني حتى يتمكنوا من المساهمة في عملية التنمية وتحسينها وتطويرها بما يواكب المنجزات العلمية للعصر، إلا أن حجم البطالة في صفوف الخريجين تظل كبيرة فمثلاً بلغ عدد خريجي الجامعات الحكومية للعام الدراسي 2004-2005م( 25.087) متخرجاً ، منهم ( 17.455) متخرجاً في العلوم الإنسانية و( 7.632) متخرجاً في العلوم التطبيقية( )، وبحسب تقرير نتائج مسح الطلب على القوى العاملة لفرص العمل المتوقعة خلال الفترة 2004-2006م فإن الوظائف الجامعية المتوقعة شكلت نحو ( 38.17%)، منها( 23.83%) في التخصصات التطبيقية و( 14.34%) في التخصصات الإنسانية والملاحظ أن هناك تزايداً للبطالة بين الباحثين على فرص عمل جديدة في سوق العمل بلغت حوالي ( 37%) ومعظمهم من خريجي الجامعات، فقد وصل عدد المسجلين فقط في وزارة الخدمة المدنية للحصول على وظائف عام 2005م نحو( 97.418) فرداً باحثاً عن فرصة عمل منهم نحو( 54.32%) من خريجي الجامعات ( بكالوريوس فقط ) و نحو (29.4%) من الحاصلين على دبلوم تربية من الجامعات ، أي أن خريجي الجامعات يشكلون معاً نسبة ( 83.725) من ذلك العدد وهو ما يدل على تراكم البطالة في صفوف خريجي الجامعات منذ سنوات سابقة.
إن التحديات القادمة للبطالة جسيمة حيث لا يقتضي الحال إيجاد الوظائف لمواكبة التزايد في أعداد الباحثين الجدد عن فرص عمل سنوياً، بل يستدعي الأمر أيضاً تخفيض حجم البطالة المتراكمة وأكثرها تشمل الخريجين من الشباب وعلى وجه الخصوص ( الإناث ) اللاتي يتزايد عددهن سنوياً.
نتائج الدراسة الميدانية والتوصيات
أولاً: نتائج الدراسة:
تتمثل أهم النتائج التي تم التوصل إليها في الآتي:-
إن التعليم الجامعي سلاح رئيسي من أجل التنمية البشرية وخلق مجتمع المعرفة وهو الإدارة الرئيسية في صنع الإنسان اليمني الحديث، كما أن مشكلات التعليم وتدني المستوى بصورة عامة يعود إلى عوامل عديدة ، وهذا ما يؤدي إلى مخرجات ضعيفة غير كفئة وغير مؤهلة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن التأكيد على أن سوق العمل في اليمن ضعيف وغير مواكب للتطورات المعاصرة وبالتالي فلا يمكنه ذلك من استيعاب مخرجات التعليم الجامعي فقط، وإنما مخرجات التعليم الثانوي والتقني... الخ.
لا يمكن اعتبار التعليم الجامعي هو المتغير الأساسي والوحيد الذي يعول عليه كونه ( التعليم الحكومي والأهلي ) لا يؤدي إلى توفير كوادر كفئة ومؤهلة يمكنها أن تنافس، ولكن هناك متغير أخر يتمثل بسوق العمل وفرصة التي تتسم بأنها ضعيفة وقليلة وغياب السياسات الاقتصادية الهادفة إلى تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي لخلق فرص عمل جديدة تتناسب ومخرجات التعليم الجامعي وتحد من البطالة في صفوفه.
أظهرت الدراسة ما يلي:-
1. أن أعضاء هيئة التدريس يشاركون في وضع سياسات التعليم الجامعي وخصوصاً عبر مجالس الأقسام، بحسب ما تراه نسبة ( 62.8%) من عينة أعضاء هيئة التدريس، كما بينت الدراسة أن ( 19.25) من هذه العينة يرون عدم مشاركة أعضاء هيئة التدريس في وضع السياسات للتعليم الجامعي وترى النسبة الكبيرة منهم (80%) أن السبب في ذلك يرجع إلى غياب الآلية التي تتيح المشاركة.
2. تبين من الدراسة أن نسبة ( 61.75%) من عينة الطلبة ترى أن سياسة التعليم جيدة نوعاً ما
و( 27.9%) يرون أن سياسة التعليم غير جيدة ويعزي الغالبية منهم (53%) سبب ذلك أن سياسة التعليم الجامعي غير مواكبة لاحتياجات سوق العمل.
3. يتبين من الدراسة أن التعليم الجامعي يواجه العديد من التحديات أبرزها ضعف مخرجات التعليم الثانوي بحسب رأي ( 89.1%) من عينة أعضاء هيئة التدريس.
4. أن مخرجات التعليم الجامعي قادرة إلى حد ما على تلبية متطلبات التنمية وسوق العمل، حيث تبين أن (55.1%) من عينة أعضاء هيئة التدريس ترى أن مخرجات التعليم الجامعي قادرة إلى حد ما على تلبية احتياجات التنمية وسوق العمل، كما أن نسبة (69.6%) من عينة المنشآت ترى أن السياسات والبرامج التعليمية الحالية قادرة إلى حد ما على تلبية تلك الاحتياجات.
5. أن سياسة القبول في التعليم الجامعي لم تكن ملبية لرغبات وطموحات الطلبة الملتحقين بها، فيتبين من الدراسة أن ( 52.8%) من عينة الطلبة كانت ترغب في تخصص أخر غير الذي التحقت به وأن نسبة (47.2%) فقط التحقوا بالتخصص الذي يرغبون فيه.
6. لا يتم التقيد بشروط القبول بشكل دقيق وتظهر اعتبارات أخرى، حيث لوحظ أن نسبة (83%) من المقبولين في التخصصات التي يرغبون بها تمت وفق الشروط المطلوبة، بينما يرى (29.7%) من غير المقبولين في التخصصات أن ذلك يعود إلى الوساطة والمحسوبية.
7. بينت الدراسة أن (69.2%) من عينة الطلبة التحقوا بالتخصص بحسب الرغبة في التخصص وليس بحسب طلب سوق العمل.
8. تبين من الدراسة أن نسب (62.4%) من عينة الدراسة يرون أن المناهج تغلب عليها الطابع النظري الذي لا يكسب الطالب المهارات العلمية، و( 44.15) يرون محدودية الوسائل التعليمية، وكذلك ضعف البنية التحتية من معامل وتجهيزات ومكتبات وهي كلها من المعوقات الأساسية التي تدعم النظام التعليمي وتحسين من مخرجاته.
9. ( 32.5%) من عينة الطلبة ترى أن الكادر التعليمي لا يملك المهارات التربوية للتعامل مع التعليم الجامعي، ( 33%) يرون أنهم لا يستخدمون المعايير الموضوعية في تقييم الطالب بسب غياب الرؤية حول مزايا التقييم ومنافعه ومدى قدرته في تنمية مهارات الكادر التربوي والعملية التعليمية برمتها.
10. تبين من الدراسة أن نسبة (59.5%) يتوقعون الحصول على فرص عمل بعد التخرج نتيجة لمهارتهم التي تؤهلهم العمل أو تخصصاتهم النادرة، بينما ( 40.5%) لا يتوقعون حصولهم على عمل لعدم وجود علاقة بين سوق العمل وسياسات التعليم الجامعي والتي تؤدي بدورها إلى التأثير سلباً على قبولهم في مؤسسات التشغيل الحكومية والخاصة.
11. تبين من الدراسة أن ( 52.9%) من عينة المنشآت ترى عدم وجود علاقة وشراكة بين مؤسساتهم ومؤسسات التعليم الجامعي والسبب ضعف مواكبة نظم وبرامج التعليم الجامعي لمتطلبات واحتياجات السوق بنسبة ( 44.4%) لعدم وضوح المزايا والمنافع المتبادلة لأوجه الشراكة لكل هذه الأطراف .
12. تبين من الدراسة أن من أبرز العوامل التي تعوق نشاط القطاع الاقتصادي من التوسع لخلق فرص عمل تعود إلى عدم وجود تخطيط استراتيجي قصير ومتوسط وبعيد المدى للسياسات التعليمية وللنظام التعليمي والتي ترتبط بضعف السياسة الاقتصادية للدولة بنسبة (64.7%) من عينة المنشآت و( 42.2%) من العينة ترى عوامل الإعاقة في ضعف النظام القضائي.
13. ترى نسبة (79.45%) من عينة المنشآت احتياجها إلى تشغيل لوظائف جديدة خلال الأعوام القادمة بينما ترى نسبة صغيرة عدم احتياجها إلى التوظيف بنسبة (20.65%) من العينة والسبب الرئيسي بنسبة (78.9%) منها وجود فائض في عدد العاملين لديها على أن معظم هذه المنشآت مازالت طاقاتها الاستيعابية لقبول عاملين جدد محدودة فضلاً عن الفرص والخيارات المحددة للوظائف الشاغرة.
14. تبين من الدراسة أن (37.3%) من عينة المنشآت يعطون الأولوية في التوظيف لخريجي الجامعات الحكومية وخصوصاً القطاع العام بنسبة (47.9%) بينما القطاع الخاص لا يفرق بين خريجي الجامعات.
15. تبين من الدراسة أن نسبة (83.3%) من عينة أعضاء هيئة التدريس تجد أهم مقترح لتطوير مخرجات التعليم الجامعي تتمثل في تبني برامج جديدة للتخصصات التي تلبي احتياجات السوق، والاعتماد على الأساليب الحديثة في التدريس بنسبة (80.8%) والتقييم المستمر لأعضاء هيئة التدريس بنسبة ( 80.8%) وتبين كذلك إن ( 52.6%) من عينة الطلبة عبرت عن وجهة نظرها حول أهمية تطوير المناهج وفقاً للتطورات الحديثة، ونسبة ( 82.4%) من عينة المنشآت يرون ضرورة إجراء دراسات وأبحاث من أجل تطوير التعليم الجامعي، ونسبة ( 78.45) تركزت إجاباتها حول المشاركة الفاعلة للقطاعات الاقتصادية في وضع سياسات وخطط التعليم الجامعي.
وفي ضوء ما تقدم عرضه يمكن تقسيم النتائج إلى:
1- نتائج تتعلق بواقع التعليم الجامعي ومخرجاته.
2- نتائج تتعلق بطبيعة سوق العمل وفرصه في اليمن.
1) نتائج تتعلق بواقع التعليم الجامعي وتمثل في الآتي:
- عدم إتباع معاير التخطيط لنظام التعليم الجامعي وسياسة القبول على ضوء الاحتياجات التي يفرضها سوق العمل وترك ذلك لتقدير صناع القرار.
- ضعف البنية التحتية من معامل وتجهيزات ومكتبات وقاعات وقلة الموارد المتاحة للجامعات وأسلوب الإدارة البيروقراطية في المؤسسات ذات العلاقة بالتعليم الجامعي الذي يقيدها كثيراً.
- وضع أعضاء هيئة التدريس وعدم تناسب أعدادهم مع حجم التوسع في إنشاء جامعات جديدة حكومية وأهليه وتدني مرتباتهم وعدم توفير الإمكانيات المادية لتحفيزهم للبحث العلمي، وممارسة بعضهم لوظائف أخرى بجانب وظيفتهم الجامعية، واعتماد الجامعات الأهلية على البعض منهم، واختلال سياسية التعيين والشروط الخاصة لاعضاء هيئة التدريس ومساعديهم وتسييس العمل الأكاديمي واختلال الشروط الأكاديمية المتعلقة بالتعيينات للقيادات الأكاديمية للجامعات وضعف الإمكانيات المتاحة للأعداد والتدريب وتأهيل لأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم ،وغياب إليه التقييم الدوري لهم مما يؤثر على جودة الأداء للنظام التعليمي وعلى تحسين مدخلات التعليم ومخرجاته.
- استخدام الوسائل والطرائق التقليدية في التعليم الأكاديمي جعل العملية التعليمية تسير سير بطيئاً ، لتتخذ أشكالاً وقوالب مكررة ونمطية ، مما يجعل التفكير في مراجعة وتقييم هذه الوسائل أمراً ملحاً.
- ضعف المناهج المقررة والأساليب التقليدية في عملية التدريس وعدم ربطها بالوسائل المتقدمة والعصرية وطغيان الجانب النظري على الجانب العملي ونقص كبير في تدريس الحاسوب واللغات لغير المتخصصين.
- ضعف مخرجات التعليم الثانوي التي تشكل مدخلات التعليم الجامعي، وعدم وجود سياسة قبول صحيحة وعدم مراعاة ما يوجد حالياً من شروط لالتحاق الطلبة في التخصصات العلمية المتنوعة وغياب القيمة الحقيقية للعلم ، فالالتحاق بالجامعة لا يهدف إلا إلى الحصول على الشهادة الجامعية ولهذا نجد أن بعض التخصصات العلمية، وعلى وجه الخصوص التخصصات الإنسانية أكثر ازدحاماً في إعداد الطلبة.
- عدم وجود سياسة تعليمية واضحة، متعلقة بالتعليم الجامعي، فتعدد التخصصات وتكرارها في أغلب كليات الجامعات الحكومية والأهلية، وعدم ربط التخصصات وفق سياسة معينة بعملية التنمية الاجتماعية الاقتصادية للبلد.
- غياب التنسيق والتخطيط والشراكة بين الجامعات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في تبني سياسات واضحة ذات أهداف محددة للعملية التعليمية في الجامعات وسياسات للقبول مما أدى إلى البطالة.
- الزيادة السكانية المرتفعة وتزايد أعداد الفئات العمرية الراغبة في الالتحاق بالتعليم الجامعي وتصاعد الطلب، والضغط الاجتماعي مما أدى إلى ازدياد أعداد الطلبة في الجامعات.
- إنشاء الجامعات الحكومية والأهلية بقرارات مستعجلة دون دراسة علمية تكون نسخاً مكررة للجامعات السابقة عليها.
- تضييق وغياب الاستقلالية المالية والإدارية والأكاديمية للجامعات مما يؤدي إلى عرقلة مشاريعها وبرامجها وجعلها خاضعة لنفوذ الوزارات ذات العلاقة ( كالخدمة المدنية ووزارة المالية والتعليم العالي وغيرها).
- تطبيق أنظمة تعليمية جديدة ،مع أهميتها كالنظام الموازي ونظام النفقة الخاصة والتعليم عن بعد، دون وجود إمكانيات ملائمة للتطبيق الفعال لهذه الأنظمة كالكادر التعليمي، أو البنية التحتية أو لوائح ونظم وتشريعات تحكمها، لهذا تحولت الجامعات إلى مجرد جهة تحصيل موارد مالية فقط.
- سؤ الإدارة في الجامعات والإهدار للموازنة أو الموارد المالية في غير مكانها كالاستفادة منها في تطوير العملية التعليمية.
- غياب الأنشطة العلمية والبحثية للطلبة، وعدم توفير المتطلبات الضرورية لهم كالسكن والمواصلات والرحلات المختلفة.
- إقبال الإناث على الالتحاق في التعليم الجامعي وتوجه أغلبهن إلى التخصصات الإنسانية لعوامل عديدة.
- الاعتماد على رسوم الطلبة وزيادتها في الأنظمة التعليمية المستحدثة وفي الجامعات الأهلية كما يحرم أبناء الطبقات الفقيرة أو المتوسطة من التعليم الجامعي وبالتالي يؤدي إلى اختلال في التوازن الاجتماعي في البلد.
- عدم قيام الجامعات بوظيفتها في خدمة المجتمع لغياب العلاقة والتنسيق بينها وبين الجهات الحكومية المختلفة.
- غياب العلاقات العلمية للجامعات، وأعضاء هيئة التدريس مع الجامعات العربية والعالمية، وعدم الاشتراك في المؤتمرات العلمية والندوات المحلية والعربية والدولية.
2- نتائج تتعلق بسوق العمل في اليمن وتتمثل في التالي:-
- ضعف التركيبية الاقتصادية وهيكلها بشكل عام في اليمن، وضعف سوق العمل، وفرصه فأغلب فرص العمل المتوافرة محليا وطبيعتها لا تحتاج للمؤهلات العليا والجامعية.
- غياب الاستثمارات العربية والأجنبية ، وعدم وجود سياسة تشجيع للاستثمارات في اليمن.
- تشبع القطاع العام اليمني بالموظفين الحكوميين.
- غياب التنسيق والشراكة مع مؤسسات التعليم الجامعي.
- عدم وجود سياسة حكومية فعاله لخلق فرص عمل في دول الجوار وغيرها.
- غياب السياسة الحكومية بشأن توظيف العمالة، وعدم الاعتماد غالباً على المعايير العلمية والموضوعية في التوظيف واعتماد الوساطة والمحسوبية في تعيين معظم الوظائف.
- ضعف السياسة الاقتصادية للدولة وفساد النظام القضائي.
ثانياً : التوصيات:
- إنشاء بنية تحتية مؤسساتية وآليات ضرورية لتحسين النظام التعليمي في الجامعات لتمكين سوق العمل من استيعاب خريجي الجامعات .
- رسم سياسة عامة للدولة تتعلق بالتعليم الجامعي وأهدافه ومؤسساته بما يخدم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد وسوق العمل.
- تقييم واقع التعليم الجامعي ومشكلاته وإعادة هيكلته بما يتناسب والتطورات العلمية الحديثة عربياً ودولياً وعدم إنشاء جامعات حكومية أو أهلية بشكل وغير مدروس.
- تطوير البرامج والمناهج التعليمية ، وتعميم دراسة الحاسوب واللغات في الجامعات وتطويرها وتحديثها وإقامة نظام اعتماد أكاديمي وتقييم الجودة وعدم تكرار التخصصات مواكبتها لسياسة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد.
- زيادة مخصصات التعليم في الموازنة الحكومية، ومراقبة وتقييم عملية استغلال هذه الموارد المالية لصالح تطوير التعليم الجامعي وبنيته.
- تحسين الإمكانات، التجهيزات التعليمية وتطويرها الوسائل والأساليب العلمية بما يواكب التقدم العلمي المعاصر.
- تقييم أعضاء هيئة التدريس دورياً ووضع برامج فعاله لتطوير قدراتهم وتحسين وضعهم المعيشي، وتفعيل قانون الجامعة فيما يتعلق بواجباتهم وحقوقهم، وزيادة أعدادهم بما يوازي عدد الطلبة، ووضع نظام دقيق لاختبارهم وتأهيلهم وترقيتهم.
- منح الجامعات الاستقلالية المالية والإدارية و الأكاديمية وسن قوانين لتنفيذ ذلك.
- اعتماد سياسة قبول علمية تكفل رفد الجامعات بمدخلات قادرة على التحصيل العلمي، من خلال معايير علمية وموضوعية وتوزيعهم في التخصصات على هذا الأساس، وتحسين المناخ الأكاديمي في الجامعات وتوفير المستلزمات الضرورية للحياة التعليمية والأكاديمية.
- تقييم واقع التعليم ما قبل الجامعي ( الثانوي، والأساسي ) والبحث عن الطرق العلمية الصحيحة لإصلاحه والتوسع بإنشاء معاهد فنية ومهنية لامتصاص الزيادات لمخرجات التعليم الثانوي.
- تبنى سياسة اقتصادية ناجحة، وتشجيع الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية لإيجاد فرص عمل للخريجين في داخل الوطن وخارجه
- ربط هيئة التدريس والجامعات بالمؤسسات الحكومية والخاصة وتشجيعهم من خلال الدراسات والأبحاث العلمية الضرورية لهذه المؤسسات تشجيع البحث العلمي وتطويره واعتماد موازنة خاصة لذلك.
- إيجاد هيئة أو مؤسسة تنسيقية بين الجامعات والمؤسسات الحكومية والقطاع الخاص للمساهمة والشراكة في رسم سياسات التعليم الجامعي بشكل عام.
- عدم تسييس العمل الأكاديمي، سوى في التعيينات للوظائف الأكاديمية أو لقيادات الجامعات والالتزام بالمعايير العلمية الموضوعية.
- الإصلاح الشامل للإدارات الجامعية، وتقييمها والحد من الهدر للمال العام في جوانب لا تتعلق بالعملية التعليمية.
- ربط الجامعات اليمنية بالجامعات العربية، والأجنبية ،وفتح مجالات التنسيق فيما بينها وتوفير الإمكانات اللازمة لذلك، وتشجيع المشاركة لأعضاء هيئة التدريس في المؤتمرات والندوات المحلية والعربية والإقليمية والدولية.
- رصد وتسجيل المؤشرات والمعلومات التي تتصل بنظام العرض والطلب في سوق العمل وبالتغيرات المتوقعة في العرض والطلب على جميع أنواع العمل لاتخاذ التدابير والإجراءات الفعالة الداعمة لتطوير مخرجات التعليم وتحديد مجالات وطرق التدخل .
- رسم سياسة فعالة من أجل جعل التعليم الجامعي قادراً على نشر المعرفة وإنتاجها، وفي نفس الوقت تذليل الصعوبات التي تواجهها لتهيئة المناخ المعرفي والمجتمعي اللازمين لإعادة إنتاج المعرفة وتوظيفها لصالح الخريجين ولصالح سوق العمل والتنمية.
- تدعيم القدرات التحليلية وقدرات صنع القرار لدى مؤسسات التعليم الأكاديمي ولدى الجهات المعينة بسوق العمل بالاتجاه نحو تحليل مشاكل النظام التعليمي في الجامعات ومشاكل سوق العمل القائمة لتصميم استراتيجيات وسياسات متكاملة للتشغيل .
- ضرورة رسم سياسة حكومية جادة تتعلق بعملية توظيف الأيادي العاملة اليمنية بعيداً عن المعايير غير الموضوعية.
- توجيه الاهتمام لبرامج تقويم الأداء الجامعي من خلال قياس الكفاءة والفاعلية في مؤسسات التعليم الجامعي وتمكينها من زيادة مخرجاتها نسبة إلى مدخلاتها ، مع ملاءمة نوعية المخرجات للمواصفات الموضوعية وتوفير الموارد البشرية اللازمة للقيام بهذه الأعباء .
- إصلاح النظام القضائي لتمكين المستثمرين المحليين والأجانب من الاستثمارات في اليمن وخلق فرص عمل للشباب من خريجي الجامعات.
- إعداد مخرجات جامعية مؤهلة وذات كفاءة لتنافس في إطار سوق العمل الذي لم يعد مخطوراً على السوق المحلية وتزيد خريجي الجامعات بالمهارات والخبرات التي تمكنهم من أداء المسؤوليات والمهمات الموكلة إليهم في مواقع العمل.
- تقوية أداء سوق العمل بإنشاء آليات فعالة يمكن أن تساهم في تقديم التسهيلات التي توفر فرصاً ملاءمة بين طالب العمل وفرص العمل الموجودة أو المحتملة .
- التخطيط لإجراء دراسات تتجه تحو التحليل والتشخيص الموجه لمعرفة الكفاءات المطلوبة من مخرجات النظام التعليمي الجامعي وعلاقتها بإحتياجات سوق العمل والتنمية .
المــــراجــع
1- لستر ثارو: الصراع على القمة، ترجمة أحمد فؤاد بليغ، عالم المعرفة، 2004، الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1995م.
2- محمد نبيل نوفل ومروان راسم كمال: التعليم العالي في الوطن العربي، نظره مستقبلية المجلة العربية للتربية، المجلد العاشر، العددان ( الأول والثاني ) ، ديسمبر 1990م .
3- د/ محيا زيتون ، التعليم في الوطن العربي في ظل العولمة وثقافة السوق، بيروت ، دار المستقبل العربي 2004م .
4- مؤشرات التعليم في الجمهورية اليمنية ،2005م صادر عن المجلس الأعلى ، لتخطيط التعليم.
5- مؤتمر التعليم العالي الأهلي عام 2000م. جامعة الملكة أروى.
6- التقرير النهائي لتقييم الجامعات الأهلية بأمانة العاصمة، مقدم إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مارس – 2005م.
7- النتائج النهائية للتعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت ديسمبر 2004م ( الجهاز المركزي للإحصاء )
8- نتائج مسح الطلب للقوى العاملة المنشآت، وزارة الشئون الاجتماعية والعمل " برنامج نظام معلومات سوق العمل " لعام 2003م
9- نتائج مسح الطلب للقوى العاملة العاملين المؤهلين ، وزارة الشئون الاجتماعية والعمل " برنامج نظام معلومات سوق العمل " لعام 2003م
10- البنك الدولي ، إستراتيجية المساعدة للبلد في اليمن للفترة من السنة المالية 2006 إلى السنة المالية 2009م ، 20 يونيو 2006. التخفيف من الفقر.
11- البنك الدولي، تقرير ( تقييم الفقر) ، 2007م.
12- البنك الدولي، مراجعة سياسة التنمية، 2006م.
13- الجمهورية اليمنية 2002م، ورقة إستراتيجية الفقر ، 2003-2005م .
14- الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي في الجمهورية اليمنية وخطة العمل المستقبلية ( 2006-2010م).
انتهى،،
مع تحيات فريق الدراسة الميدانية
أعد التقرير النهائي للدراسة
د. جميل أحمد عون
الخبير الاستشاري
أشراف تنفيذي
أ. فاطمة مشهور أحمد
القائم بأعمال مدير المركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل
فريق البحث الميداني
فريق أ ( الأمانة ) : فريق ب ( عدن ، تعز ، حضرموت ) :
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)